الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فلت ]

                                                          فلت : أفلتني الشيء ، وتفلت مني ، وانفلت ، وأفلت فلان فلانا : خلصه . وأفلت الشيء وتفلت وانفلت ، بمعنى ; وأفلته غيره . وفي الحديث : تدارسوا القرآن ، فلهو أشد تفلتا من الإبل من عقلها . التفلت والإفلات والانفلات : التخلص من الشيء فجأة ، من غير تمكث ; ومنه الحديث : أن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة أي تعرض لي في صلاتي فجأة . وفي الحديث : أن رجلا شرب خمرا فسكر ، فانطلق به إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فلما حاذى دار العباس ، انفلت فدخل عليه ، فذكر ذلك له فضحك ، وقال : أفعلها ؟ ولم يأمر فيه بشيء . ومنه الحديث : فأنا آخذ بحجزكم ، وأنتم تفلتون من يدي أي تتفلتون ، فحذف إحدى التاءين تخفيفا . ويقال : أفلت فلان بجريعة الذقن ; يضرب مثلا للرجل يشرف على هلكة ، ثم يفلت كأنه جرع الموت جرعا ، ثم أفلت منه . والإفلات : يكون بمعنى الانفلات ، لازما ، وقد يكون واقعا . يقال : أفلته من الهلكة أي خلصته ; وأنشد ابن السكيت :


                                                          وأفلتني منها حماري وجبتي جزى الله خيرا جبتي وحماريا



                                                          أبو زيد ، من أمثالهم في إفلات الجبان : أفلتني جريعة الذقن ; إذا كان قريبا كقرب الجرعة من الذقن ، ثم أفلته . قال أبو منصور : معنى أفلتني أي انفلت مني . ابن شميل : يقال ليس لك من هذا الأمر فلت أي لا تنفلت منه . وقد أفلت فلان من فلان ، وانفلت ومر بنا بعير ، منفلت ولا يقال : مفلت . وفي الحديث عن أبي موسى : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ : وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة . قوله : لم يفلته أي لم [ ص: 214 ] ينفلت منه ويكون معنى لم يفلته ، لم يفلته أحد أي لم يخلصه شيء . وتفلت إلى الشيء وأفلت : نازع . والفلتان : المتفلت إلى الشر ، وقيل : الكثير اللحم . والفلتان السريع ، والجمع فلتان ، عن كراع . وفرس فلتان أي نشيط ، حديد الفؤاد ، مثل الصلتان . التهذيب : الفلتان والصلتان من التفلت والانفلات ، يقال ذلك للرجل الشديد الصلب . ورجل فلتان : نشيط ، حديد الفؤاد . ورجل فلتان أي جريء ، وامرأة فلتانة . وافتلت الشيء : أخذه في سرعة ، قال قيس بن ذريح :


                                                          إذا افتلتت منك النوى ذا مودة     حبيبا بتصداع من البين ذي شعب


                                                          أذاقتك مر العيش أو مت حسرة     كما مات مسقي الضياح على الألب



                                                          وكان ذلك فلتة أي فجأة . يقال : كان ذلك الأمر فلتة أي فجأة ، إذا لم يكن عن تدبر ولا تردد . والفلتة : الأمر يقع من غير إحكام . وفي حديث عمر : أن بيعة أبي بكر كانت فلتة ; وقى الله شرها . قال ابن سيده : قال أبو عبيد : أراد فجأة ، وكانت كذلك لأنها لم ينتظر بها العوام ، إنما ابتدرها أكابر أصحاب سيدنا محمد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، من المهاجرين وعامة الأنصار ، إلا تلك الطيرة التي كانت من بعضهم ثم أصفق الكل له بمعرفتهم أن ليس لأبي بكر ، رضي الله عنه ، منازع ولا شريك في الفضل ، ولم يكن يحتاج في أمره إلى نظر ولا مشاورة ; وقال الأزهري : إنما معنى فلتة البغتة ، قال : وإنما عوجل بها مبادرة لانتشار الأمر حتى لا يطمع فيها من ليس لها بموضع ; وقال حصيب الهذلي :


                                                          كانوا خبيئة نفسي فافتلتهم     وكل زاد خبيء قصره النفد



                                                          قال : افتلتهم أخذوا مني فلتة . زاد خبيء : يضن به . وقال ابن الأثير في تفسير حديث عمر ، رضي الله عنه ، قال : أراد بالفلتة الفجأة ، ومثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيجة للشر والفتنة ، فعصم الله تعالى من ذلك ووقى . قال : والفلتة كل شيء فعل من غير روية ، وإنما بودر بها خوف انتشار الأمر ; وقيل : أراد بالفلتة الخلسة أي أن الإمامة يوم السقيفة مالت الأنفس إلى توليها ولذلك كثر فيها التشاجر ، فما قلدها أبو بكر إلا انتزاعا من الأيدي واختلاسا ، وقيل : الفلتة هنا مشتقة من الفلتة آخر ليلة من الأشهر الحرم ، فيختلفون فيها أمن الحل هي أم من الحرم ؟ فيسارع الموتور إلى درك الثأر فيكثر الفساد وتسفك الدماء ; فشبه أيام النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بالأشهر الحرم ويوم موته بالفلتة في وقوع الشر ، من ارتداد العرب ، وتوقف الأنصار عن الطاعة ، ومنع من منع الزكاة ، والجري على عادة العرب في أن لا يسود القبيلة إلا رجل منها . والفلتة : آخر ليلة من الشهر . وفي الصحاح : آخر ليلة من كل شهر ; وقيل : الفلتة آخر يوم من الشهر الذي بعده الشهر الحرام ، كآخر يوم من جمادى الآخرة ، وذلك أن يرى فيه الرجل ثأره فربما توانى فيه فإذا كان الغد دخل الشهر الحرام ففاته . قال أبو الهيثم : كان للعرب في الجاهلية ساعة يقال لها : الفلتة ، يغيرون فيها ، وهي آخر ساعة من آخر يوم من أيام جمادى الآخرة ، يغيرون تلك الساعة ، وإن كان هلال رجب قد طلع تلك الساعة لأن تلك الساعة من آخر جمادى الآخرة ما لم تغب الشمس ; وأنشد :


                                                          والخيل ساهمة الوجوه     كأنما يقمصن ملحا
                                                          صادفن منصل ألة     في فلتة فحوين سرحا



                                                          وقيل : ليلة فلتة ، هي التي ينقص بها الشهر ويتم ، فربما رأى قوم الهلال ولم يبصره آخرون ، فيغير هؤلاء على أولئك ، وهم غارون ، وذلك في الشهر ; وسميت فلتة لأنها كالشيء المنفلت بعد وثاق ; أنشد ابن الأعرابي :


                                                          وغارة بين اليوم والليل فلتة     تداركتها ركضا بسيد عمرد



                                                          شبه فرسه بالذئب ; وقال الكميت :


                                                          بفلتة بين إظلام وإسفار



                                                          والجمع فلتات ، لا يتجاوز بها جمع السلامة . وفي حديث صفة مجلس النبي ، صلى الله عليه وسلم : ولا تنثى فلتاته أي زلاته الفلتات : الزلات ; والمعنى أنه لم يكن في مجلسه فلتات أي زلات فتنثى أي تذكر أو تحفظ وتحكى ، لأن مجلسه كان مصونا عن السقطات واللغو ، وإنما كان مجلس ذكر حسن وحكم بالغة وكلام لا فضول فيه . وافتلتت نفسه : مات فلتة . ابن الأعرابي : يقال للموت الفجأة الموت الأبيض ، والجارف ، واللافت ، والفاتل . يقال : لفته الموت وفتله ، وافتلته ; وهو الموت الفوات والفوات : وهو أخذة الأسف ، وهو الوحي ; والموت الأحمر : القتل بالسيف . والموت الأسود : هو الغرق والشرق . وافتلت فلان ، على ما لم يسم فاعله أي مات فجأة . وفي حديث النبي ، صلى الله عليه وسلم : أن رجلا أتاه فقال : يا رسول الله ، إن أمي افتلتت نفسها فماتت ، ولم توص ، أفأتصدق عنها ؟ فقال : نعم ; قال أبو عبيد : افتلتت نفسها ; يعني ماتت فجأة ، ولم تمرض فتوصي ، ولكنها أخذت نفسها فلتة . يقال : افتلته إذا استلبه . وافتلت فلان بكذا أي فوجئ به قبل أن يستعد له . ويروى بنصب النفس ورفعها ; فمعنى النصب افتلتها الله نفسها ، يتعدى إلى مفعولين ، كما تقول اختلسه الشيء واستلبه إياه ، ثم بني الفعل لما لم يسم فاعله ، فتحول المفعول الأول مضمرا ، وبقي الثاني منصوبا ، وتكون التاء الأخيرة ضمير الأم أي افتلتت هي نفسها ; وأما الرفع فيكون متعديا إلى مفعول واحد أقامه مقام الفاعل ، وتكون التاء للنفس أي أخذت نفسها فلتة ، وكل أمر فعل على غير تلبث وتمكث ، فقد افتلت والاسم الفلتة . وكساء فلوت : لا ينضم طرفاه على لابسه من صغره . وثوب فلوت : لا ينضم طرفاه في اليد ; وقول متمم في أخيه مالك :


                                                          عليه الشملة الفلوت



                                                          يعني التي لا تنضم بين المزادتين . وفي حديث ابن عمر : أنه شهد فتح مكة ، ومعه جمل جزور وبردة فلوت . قال أبو عبيد : أراد أنها [ ص: 215 ] صغيرة ، لا ينضم طرفاها ، فهي تفلت من يده إذا اشتمل بها . ابن الأعرابي : الفلوت الثوب الذي لا يثبت على صاحبه ، للينه أو خشونته . وفي الحديث : وهو في بردة له فلتة أي ضيقة صغيرة لا ينضم طرفاها ، فهي تفلت من يده إذا اشتمل بها ، فسماها بالمرة من الانفلات ; يقال : برد فلتة وفلوت . وافتلت الكلام واقترحه إذا ارتجله ، وافتلت عليه : قضى الأمر دونه . والفلتان : طائر زعموا أنه يصيد القردة . وأفلت وفليت : اسمان .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية