الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( ولو شاء الله لأعنتكم )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ولو شاء الله لحرم ما أحله لكم من مخالطة أيتامكم بأموالكم أموالهم ، فجهدكم ذلك وشق عليكم ، ولم تقدروا على القيام باللازم لكم من حق الله تعالى والواجب عليكم في ذلك من فرضه ، ولكنه رخص لكم فيه وسهله عليكم رحمة بكم ورأفة .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " لأعنتكم " . فقال بعضهم بما : -

4203 - حدثني به محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن قيس بن سعد - أو عيسى عن قيس بن سعد - عن مجاهد شك أبو عاصم في قول الله تعالى ذكره : " ولو شاء الله لأعنتكم " لحرم عليكم المرعى والأدم . [ ص: 359 ]

قال أبو جعفر : يعني بذلك مجاهد : رعي مواشي والي اليتيم مع مواشي اليتيم ، والأكل من إدامه . لأنه كان يتأول في قوله : " وإن تخالطوهم فإخوانكم " ، أنه خلطة الولي اليتيم بالرعي والأدم .

4204 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " ولو شاء الله لأعنتكم " ، يقول : لو شاء الله لأحرجكم فضيق عليكم ، ولكنه وسع ويسر فقال : ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ) [ سورة النساء : 6 ]

4205 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " ولو شاء الله لأعنتكم " ، يقول : لجهدكم ، فلم تقوموا بحق ولم تؤدوا فريضة .

4206 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع نحوه إلا أنه قال : فلم تعملوا بحق .

4207 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولو شاء الله لأعنتكم " ، لشدد عليكم .

4208 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : " ولو شاء الله لأعنتكم " ، قال : لشق عليكم في الأمر . ذلك العنت .

4209 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قوله : " ولو شاء الله لأعنتكم " ، قال : ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا .

وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرت عنه ، وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيها ، فإنها متقاربات المعاني . لأن من حرم عليه شيء فقد ضيق عليه في ذلك [ ص: 360 ] الشيء ، ومن ضيق عليه في شيء فقد أحرج فيه ، ومن أحرج في شيء أو ضيق عليه فيه فقد جهد . وكل ذلك عائد إلى المعنى الذي وصفت من أن معناه : الشدة والمشقة .

ولذلك قيل : " عنت فلان " إذا شق عليه الأمر ، وجهده ، " فهو يعنت عنتا " ، كما قال تعالى ذكره : ( عزيز عليه ما عنتم ) [ سورة التوبة : 128 ] ، يعني ما شق عليكم وآذاكم وجهدكم ، ومنه قوله تعالى ذكره : ( ذلك لمن خشي العنت منكم ) [ سورة النساء : 25 ] . فهذا إذا عنت العانت . فإن صيره غيره كذلك ، قيل : " أعنته فلان في كذا " إذ جهده وألزمه أمرا جهده القيام به " يعنته إعناتا " . فكذلك قوله : " لأعنتكم " معناه : لأوجب لكم العنت بتحريمه عليكم ما يجهدكم ويحرجكم ، مما لا تطيقون القيام باجتنابه وأداء الواجب له عليكم فيه .

وقال آخرون : معنى ذلك : لأوبقكم وأهلككم .

ذكر من قال ذلك :

4210 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا طلق بن غنام عن زائدة عن منصور عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : قرأ علينا : " ولو شاء الله لأعنتكم " ، قال ابن عباس : ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا .

4211 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن آدم عن فضيل - وجرير عن منصور وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن الحكم [ ص: 361 ] عن مقسم عن ابن عباس : " ولو شاء الله لأعنتكم " قال : لجعل ما أصبتم موبقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية