الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فلح ]

                                                          فلح : الفلح والفلاح : الفوز والنجاة والبقاء في النعيم والخير ; وفي حديث أبي الدحداح : بشرك الله بخير وفلح أي بقاء وفوز ، وهو مقصور من الفلاح ، وقد أفلح . قال الله عز من قائل : قد أفلح المؤمنون أي أصيروا إلى الفلاح ; قال الأزهري : وإنما قيل لأهل الجنة مفلحون لفوزهم ببقاء الأبد . وفلاح الدهر : بقاؤه ، يقال : لا أفعل ذلك فلاح الدهر ; وقول الشاعر :


                                                          ولكن ليس في الدنيا فلاح



                                                          أي بقاء . التهذيب : عن ابن السكيت : الفلح والفلاح البقاء ; قال الأعشى :


                                                          ولئن كنا كقوم هلكوا     ما لحي يا لقوم من فلح



                                                          وقال عدي :


                                                          ثم بعد الفلاح والرشد والأم     ة وارتهم هناك القبور



                                                          والفلح والفلاح : السحور لبقاء غنائه ; وفي الحديث : صلينا مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حتى خشينا أن يفوتنا الفلح أو الفلاح ; يعني السحور . أبو عبيد في حديثه : حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ; قال : وفي الحديث قيل : وما الفلاح ؟ قال السحور ; قال : وأصل الفلاح البقاء ; وأنشد للأضبط بن قريع السعدي :


                                                          لكل هم من الهموم سعه     والمسي والصبح لا فلاح معه



                                                          يقول : ليس مع كر الليل والنهار بقاء ، فكأن معنى السحور أن به بقاء الصوم . والفلاح : الفوز بما يغتبط به وفيه صلاح الحال . وأفلح الرجل : ظفر . أبو إسحاق في قوله عز وجل : أولئك هم المفلحون قال : يقال لكل من أصاب خيرا مفلح وقول عبيد :


                                                          أفلح بما شئت فقد يبلغ بالن     نوك وقد يخدع الأريب



                                                          ويروى : فقد يبلغ بالضعف ، معناه : فز واظفر ; التهذيب : يقول : [ ص: 217 ] عش بما شئت من عقل وحمق ، فقد يرزق الأحمق ويحرم العاقل . الليث في قوله تعالى : وقد أفلح اليوم من استعلى أي ظفر بالملك من غلب . ومن ألفاظ الجاهلية في الطلاق : استفلحي بأمرك أي فوزي به ; وفي حديث ابن مسعود أنه قال : إذا قال الرجل لامرأته استفلحي بأمرك فقبلته ، فواحدة بائنة ; قال أبو عبيد : معناه اظفري بأمرك وفوزي بأمرك واستبدي بأمرك . وقوم أفلاح : مفلحون فائزون ; قال ابن سيده : لا أعرف له واحدا ; وأنشد :


                                                          بادوا فلم تك أولاهم كآخرهم     وهل يثمر أفلاح بأفلاح



                                                          وقال : كذا رواه ابن الأعرابي : فلم تك أولاهم كآخرهم ، وخليق أن يكون : فلم تك أخراهم كأولهم ، ومعنى قوله : وهل يثمر أفلاح بأفلاح أي قلما يعقب السلف الصالح إلا الخلف الصالح ; وقال ابن الأعرابي : معنى هذا أنهم كانوا متوافرين من قبل فانقرضوا ، فكان أول عيشهم زيادة وآخره نقصانا وذهابا . التهذيب : وفي حديث الأذان : حي على الفلاح ; يعني هلم على بقاء الخير ، وقيل : حي أي عجل وأسرع على الفلاح ، معناه إلى الفوز بالبقاء الدائم ; وقيل : أي أقبل على النجاة ، قال ابن الأثير : وهو من أفلح كالنجاح من أنجح أي هلموا إلى سبب البقاء في الجنة والفوز بها ، وهو الصلاة في الجماعة . وفي حديث الخيل : من ربطها عدة في سبيل الله فإن شبعها وجوعها وريها وظمأها وأرواثها وأبوالها فلاح في موازينه يوم القيامة أي ظفر وفوز . وفي الحديث : كل قوم على مفلحة من أنفسهم ; قال ابن الأثير : قال الخطابي : معناه أنهم راضون بعلمهم يغتبطون به عند أنفسهم ، وهي مفعلة من الفلاح ، وهو مثل قوله تعالى : كل حزب بما لديهم فرحون . والفلح : الشق والقطع . فلح الشيء يفلحه فلحا : شقه ; قال :


                                                          قد علمت خيلك أني الصحصح     إن الحديد بالحديد يفلح



                                                          أي يشق ويقطع ; وأورد الأزهري هذا الشعر شاهدا على فلحت الحديد إذا قطعته . وفلح رأسه فلحا : شقه . والفلح : مصدر فلحت الأرض إذا شققتها للزراعة . وفلح الأرض للزراعة يفلحها فلحا إذا شقها للحرث . والفلاح : الأكار ; وإنما قيل له فلاح لأنه يفلح الأرض أي يشقها وحرفته الفلاحة ، والفلاحة ، بالكسر : الحراثة وفي حديث عمر : اتقوا الله في الفلاحين ; يعني الزراعين الذين يفلحون الأرض أي يشقونها . وفلح شفته يفلحها فلحا : شقها . والفلح : شق في الشفة السفلى ، واسم ذلك الشق الفلحة مثل القطعة ، وقيل : الفلح شق في الشفة في وسطها دون العلم ; وقيل : هو تشقق في الشفة وضخم واسترخاء كما يصيب شفاه الزنج ; رجل أفلح وامرأة فلحاء ; التهذيب : الفلح الشق في الشفة السفلى ، فإذا كان في العليا ، فهو علم ; وفي الحديث : قال رجل لسهيل بن عمرو : لولا شيء يسوء رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لضربت فلحتك أي موضع الفلح ، وهو الشق في الشفة السفلى . وفي حديث كعب : المرأة إذا غاب عنها زوجها تفلحت وتنكبت الزينة أي تشققت وتقشفت ; قال ابن الأثير : قال الخطابي : أراه تقلحت ، بالقاف ، من القلح وهو الصفرة التي تعلو الأسنان ; وكان عنترة العبسي يلقب الفلحاء لفلحة كانت به وإنما ذهبوا به إلى تأنيث الشفة ; قال شريح بن بجير بن أسعد التغلبي :


                                                          ولو أن قومي قوم سوء أذلة لأخرجني عوف بن عوف وعصيد     وعنترة الفلحاء جاء ملأما كأنه فند من عماية أسود



                                                          أنث الصفة لتأنيث الاسم : قال الشيخ ابن بري : كان شريح قال هذه القصيدة بسبب حرب كانت بينه وبين بني مرة بن فزارة وعبس . والفند : القطعة العظيمة الشخص من الجبل . وعماية : جبل عظيم . والملأم : الذي قد لبس لأمته ، وهو الدرع ; قال : وذكر النحويون أن تأنيث الفلحاء إتباع لتأنيث لفظ عنترة ; كما قال الآخر :

                                                          أبوك خليفة ولدته أخرى وأنت خليفة ذاك الكمال

                                                          ورأيت في بعض حواشي نسخ الأصول التي نقلت منها ما صورته في الجمهرة لابن دريد : عصيد لقب حصن بن حذيفة أو عيينة بن حصن . ورجل متفلح الشفة واليدين والقدمين : أصابه فيهما تشقق من البرد . وفي رجل فلان فلوح أي شقوق ، وبالجيم أيضا . ابن سيده : والفلحة القراح الذي اشتق للزرع ; عن أبي حنيفة ; وأنشد لحسان :


                                                          دعوا فلحات الشأم قد حال دونها     طعان كأفواه المخاض الأوارك



                                                          يعني المزارع ; ومن رواه فلجات الشأم ، بالجيم ، فمعناه ما اشتق من الأرض للدبار ، كل ذلك قول أبي حنيفة . والفلاح : المكاري ; التهذيب : ويقال للمكاري فلاح ، وإنما قيل الفلاح تشبيها بالأكار ; ومنه قول عمرو بن أحمر الباهلي :


                                                          لها رطل تكيل الزيت فيه     وفلاح يسوق لها حمارا



                                                          وفلح بالرجل يفلح فلحا ، وذلك أن يطمئن إليك ، فيقول لك : بع لي عبدا أو متاعا أو اشتره لي ، فتأتي التجار فتشتريه بالغلاء وتبيع بالوكس وتصيب من التاجر ، وهو الفلاح . وفلح بالقوم وللقوم يفلح فلاحة : زين البيع والشراء للبائع والمشتري . وفلح بهم تفليحا : مكر وقال غير الحق . التهذيب : والفلح النجش ، وهو زيادة المكتري ليزيد غيره فيغريه . والتفليح : المكر والاستهزاء ، وقال أعرابي : قد فلحوا به أي مكروا به . والفيلحاني : تين أسود يلي الطبار في الكبر ، وهو يتقلع إذا بلغ ، مدور شديد السواد ، حكاه أبو حنيفة قال : وهو جيد الزبيب ; يعني بالزبيب يابسه . وقد سمت : أفلح وفليحا ومفلحا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية