الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب إقرار المريض بالولد

( قال ) رحمه الله : رجل له عبد في صحته ، وأقر في مرض موته أنه ابنه وليس له نسب [ ص: 152 ] معروف ومثله يولد لمثله فإنه ابنه يرثه ، ولا يسعى في شيء سواء كان أصل العلوق به في ملكه أو لم يكن في ملكه ; لأن النسب من حاجته وهو مقدم على حق ورثته في ماله فيثبت نسبه منه بالدعوة لكونه غير محجور عنه ويكون بمنزلة ابن معروف له ملكه في صحته ، فيكون عتقه من جميع المال لا بطريق الوصية فلهذا لا يسعى في شيء قال : وكذلك إن كان عليه دين يحيط بماله ; لأن حاجته مقدمة على حق غرمائه بدليل الجهاز والكفن ; ولأنه ليس في إثبات النسب إبطال حق الغرماء ، والورثة ; لأنه يلاقي محلا لا حق لهم فيه .

وإنما ذلك فيما ينبني عليه من الحكم والذي ينبني على هذا السبب عتق في صحته ، ولا حق للغرماء والورثة في ماله في صحته .

وكذلك لو كانت له جارية ولدت في صحته فأقر في مرضه أنه ابنه سواء كان أصل العلوق في ملكه أو لم يكن ; لأن الذي ينبني على دعوة النسب هنا حقيقة الحرية للولد في صحته وحق الحرية للأم ، ولا حق للغرماء ، والورثة فيهما في حالة الصحة ، فأما إذا كان ملكه في مرضه فادعاه قبل الملك أو بعده ، ثم مات فإن كان عليه دين محيط فعليه السعاية في جميع القيمة ; لأن الذي ينبني على دعوته هنا عتق في المرض وذلك يلاقي محلا مشغولا بحق الغرماء فلا يكون مصدقا في حقهم إلا أن الرق قد فسد بإقراره فعليه السعاية في جميع القيمة .

وإن لم يكن له مال سواهما ، ولا دين عليه كان عتقه من ثلثه وعليهما السعاية فيما زاد على الثلث من قيمته ، ولا يرثه الولد في قول أبي حنيفة ; لأن المستسعى في بعض قيمة عنده بمنزلة المكاتب ، والمكاتب لا يرث وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله المستسعى حر مديون فيكون من جملة الورثة ، ولا وصية للوارث ، ولكن عليه السعاية في قيمته ويرثه .

وإن كان للمولى ابنان بحيث تخرج رقبته من الثلث فعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله الجواب كذلك يسعى الولد في قيمته ; لأنه صار وارثا ، ولا وصية للوارث ، وأما عند أبي حنيفة رحمه الله لا سعاية على الولد في شيء ويرثه ، فقد جمع له بين الوصية والميراث لضرورة الدور فإنه لو لم يجز الوصية له ، وألزمه السعاية في قيمته كان مكاتبا ، والمكاتب غير وارث فتصح الوصية له وسقطت السعاية فصار وارثا فلا يزال يدور هكذا ، والسبيل في الدور أن يقطع فلهذا جمع بين الوصية والميراث وهو نظير ما قالوا في تنفيذ الوصية في خمسي المال في بعض مسائل الهبة لضرورة الدور ، وإن كانت الوصية لا تنفذ في أكثر من الثلث ; وهذا لأن مواضع الضرورة مستثنى في الأحكام الشرعية فأما أم الولد فلا سعاية عليها عندهم جميعا ; لأنه إذا كان معها ولد يثبت نسبه فهو شاهد لها بمنزلة إقامة البينة فلهذا لا يلزمه السعاية [ ص: 153 ] في شيء .

وكذلك لو وهب للمريض ابنه المعروف ، ولا مال له غيره فإن كان عليه دين سعى في قيمته للغرماء ، وإن كان الدين أقل من قيمته سعى في الدين ، وفي ثلثي ما بقي للورثة ، وله الثلث وصية في قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله سعى فيما بقي من قيمته بينه وبين الورثة ، ولا وصية له ; لأنه من جملة الورثة .

قال : ولو كان وهب للمريض أم ولد له معروفة عتقت ، ولم يسع في شيء ; لأن ثبوت نسب الولد شاهد لها وعتق أم الولد من حوائج الميت فيكون مقدما على حق الغرماء ، والورثة .

التالي السابق


الخدمات العلمية