الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الأيمان

قال الله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم عقيب نهيه عن تحريم ما أحل الله . قال ابن عباس : " لما حرموا الطيبات من المآكل والمناكح والملابس حلفوا على ذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية "

وأما اللغو فقد قيل فيه إنه ما لا يعتد به ، ومنه قول الشاعر :

أو مائة تجعل أولادها لغوا وعرض المائة الجلمد

يعني نوقا لا تعتد بأولادها . فعلى هذا لغو اليمين ما لا يعتد به ولا حكم له . وروى إبراهيم الصائغ عن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا محمد بن أحمد بن سفيان الترمذي وابن عبدوس قالا : حدثنا محمد بن بكار : حدثنا حسان بن إبراهيم عن إبراهيم الصائغ عن عطاء ، وسئل عن اللغو في اليمين فقال : قالت عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هو كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله . وروى إبراهيم عن الأسود وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت لغو اليمين لا والله وبلى والله موقوفا عليها . وروى عكرمة عن ابن عباس في لغو اليمين : " أن يحلف على الأمر يراه كذلك وليس كذلك " . وروي عن ابن عباس أيضا " أن لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان " . وروي عن الحسن والسدي وإبراهيم مثل قول عائشة وقال بعض أهل العلم : " اللغو في اليمين هو الغلط من غير قصد على نحو قول القائل لا والله وبلى والله على سبق اللسان " . وقال بعضهم : " اللغو في اليمين أن تحلف على معصية أن تفعلها فينبغي أن لا تفعلها ولا كفارة فيه " ؛ وروي فيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فإن تركها كفارتها . وقد اختلف فقهاء الأمصار في ذلك أيضا ، فقال أصحابنا : اللغو هو قوله : " لا والله وبلى والله " فيما يظن أنه صادق فيه على الماضي . وقال مالك والليث نحو ذلك ؛ وهو قول [ ص: 112 ] الأوزاعي . وقال الشافعي : " اللغو هو المعقود عليه " .

وقال الربيع عنه : " من حلف على شيء يرى أنه كذلك ثم وجده على غير ذلك فعليه كفارة " . قال أبو بكر : لما قال الله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان أبان بذلك أن لغو اليمين غير معقود منها لأنه لو كان المعقود هو اللغو لما عطفه عليه ولما فرق بينهما في الحكم في نفيه المؤاخذة بلغو اليمين وإثبات الكفارة في المعقودة . ويدل على ذلك أيضا أن اللغو لما كان هو الذي لا حكم له ، فغير جائز أن يكون هو اليمين المعقودة ؛ لأن المؤاخذة قائمة في المعقودة وحكمها ثابت ، فبطل بذلك قول من قال إن اللغو هو اليمين المعقودة وإن فيها الكفارة فثبت بذلك أن معناه ما قال ابن عباس وعائشة وأنها اليمين على الماضي فيما يظن الحالف أنه كما قال .

التالي السابق


الخدمات العلمية