الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7238 ) مسألة : قال : ( وإذا قذفت المرأة ، لم يكن لولدها المطالبة ، إذا كانت الأم في الحياة ) . وإن قذفت أمه وهي ميتة ، مسلمة كانت أو كافرة ، حرة أو أمة ، حد القاذف إذا طالب الابن ، وكان حرا مسلما . أما إذا قذفت وهي في الحياة ، فليس لولدها المطالبة ; لأن الحق لها ، فلا يطالب به غيرها ، ولا يقوم غيرها مقامها ، سواء كانت محجورا عليها أو غير محجور عليها ; لأنه حق يثبت للتشفي ، فلا يقوم فيه غير المستحق مقامه ، كالقصاص ، وتعتبر حصانتها ; لأن الحق لها ، فتعتبر حصانتها ، كما لو لم يكن لها ولد . وأما إن قذفت وهي ميتة ، فإن لولدها المطالبة ; لأنه قدح في نسبه ; ولأنه بقذف أمه ينسبه إلى أنه من زنا ، ولا يستحق ذلك بطريق الإرث ، ولذلك تعتبر الحصانة فيه ، ولا تعتبر الحصانة في أمه ; لأن القذف له .

                                                                                                                                            وقال أبو بكر : لا يجب الحد بقذف ميتة بحال . وهو قول أصحاب الرأي ; لأنه قذف لمن لا تصح منه المطالبة ، فأشبه قذف المجنون . وقال الشافعي : إن كان الميت محصنا ، فلوليه المطالبة ، وينقسم بانقسام الميراث ، وإن لم يكن محصنا ، فلا حد على قاذفه ; لأنه ليس بمحصن ، فلا [ ص: 87 ] يجب الحد بقذفه ، كما لو كان حيا . وأكثر أهل العلم لا يرون الحد على من يقذف غير محصن حيا ولا ميتا ; لأنه إذا لم يحد بقذف غير المحصن إذا كان حيا ، فلأن لا يحد بقذفه بعد موته أولى .

                                                                                                                                            ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم في الملاعنة : { ومن رمى ولدها ، فعليه الحد } . يعني : من رماه بأنه ولد زنا . وإذا وجب بقذف ابن الملاعنة بذلك ، فبقذف غيره أولى ، ولأن أصحاب الرأي أوجبوا الحد على من نفى رجلا عن أبيه ، إذا كان أبواه حرين مسلمين أو كانا ميتين ، والحد إنما وجب للولد ; لأن الحد لا يورث عندهم . فأما إن قذفت أمه بعد موتها ، وهو مشرك أو عبد ، فلا حد عليه ، في ظاهر كلام الخرقي ، سواء كانت الأم حرة مسلمة أو لم تكن . وقال أبو ثور ، وأصحاب الرأي : إذا قال لكافر أو عبد : لست لأبيك ، وأبواه حران مسلمان ، فعليه الحد . وإن قال لعبد ، أمه حرة وأبوه عبد : لست لأبيك . فعليه الحد ، وإن كان العبد للقاذف عند أبي ثور .

                                                                                                                                            وقال أصحاب الرأي : يصح أن يحد المولى لعبده ، واحتجوا بأن هذا قذف لأمه ، فيعتبر إحصانها دون إحصانه ; لأنها لو كانت حية ، كان القذف لها ، فكذلك إذا كانت ميتة ; ولأن معنى هذا أن أمك زنت ، فأتت بك من الزنا ، فإذا كان من الزنا منسوبا إليها ، كانت هي المقذوفة دون ولدها . ولنا ، ما ذكرناه ; ولأنه لو كان القذف لها ، لم يجب الحد ; لأن الكافر لا يرث المسلم ، والعبد لا يرث الحر ; ولأنهم لا يوجبون الحد بقذف ميتة بحال ، فيثبت أن القذف له ، فيعتبر إحصانه دون إحصانها - والله أعلم - .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية