الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت معاقد الخيرات على كثرتها؛ منحصرة في قسمين: إيصال النفع؛ إبداء وإخفاء؛ ودفع الضرر؛ فكان قد أشار - سبحانه وتعالى - إلى العفو؛ وختم بصفتي السمع؛ والعلم; قال - مصرحا بالندب إلى العفو؛ والإحسان؛ فكان نادبا إليه مرتين: الأولى بطريق الإشارة لأولي البصارة؛ والثانية بطريق العبارة؛ للراغبين في التجارة؛ حثا على الأحب إليه - سبحانه - والأفضل عنده؛ والأدخل في باب الكرم -: إن تبدوا خيرا ؛ أي: من قول؛ أو غيره؛ أو تخفوه ؛ أي: تفعلوه خفية ابتداء؛ أو في مقابلة سوء فعل إليكم; ولما ذكر فعل الخير؛ أتبعه نوعا منه؛ هو أفضله؛ فقال: أو تعفوا عن سوء ؛ أي: فعل بكم؛ ولما كان التقدير: "يعلمه؛ بما له من صفتي السمع؛ والعلم؛ فيجازي عليه بخير أفضل منه؛ وعفو أعظم من عفوكم"; سبب عنه قوله: فإن [ ص: 449 ] ؛ أي: فأنتم جديرون بالعفو؛ بسبب علمكم بأن الله كان ؛ أي: دائما؛ أزلا وأبدا؛ عفوا ؛ ولما كان ترك العقاب لا يسمى عفوا؛ إلا إذا كان من قادر؛ وكان الكف - عند القدرة عن الانتقام؛ ممن أثر في القلوب الآثار العظام - بعيدا؛ شاقا على النفس؛ شديدا; قال (تعالى) - مذكرا للعباد بذنوبهم إليه؛ وقدرته عليهم -: قديرا ؛ أي: بالغ العفو عن كل ما يريد العفو عنه من أفعال الجانين؛ والقدرة على كل ما يريد؛ ومن يريد؛ فالذي لا ينفك عن ذنب؛ وعجز؛ أولى بالعفو؛ طمعا في عفو القادر عنه؛ وخوفا من انتقامه منه؛ وتخلقا بخلقه العظيم؛ واقتداء بسنته.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية