الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب بول الصبي يصيب الثوب

                                                                      374 حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله [ ص: 28 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 28 ] باب بول الصبي يصيب الثوب

                                                                      قال الجوهري : الصبي الغلام والجمع صبية وصبيان . وقال ابن سيده عن ثابت يكون صبيا ما دام رضيعا . وفي المنتخب للكراع : أول ما يولد الولد يقال له وليد وطفل وصبي . وقال بعض أئمة اللغة : ما دام الوليد في بطن أمه فهو جنين ، فإذا ولدته يسمى صبيا ما دام رضيعا ، فإذا فطم يسمى غلاما إلى سبع سنين . ذكره العلامة العيني .

                                                                      ( أتت بابن لها صغير ) بالجر صفة لابن ( لم يأكل الطعام ) يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت الطعام ولم يستغن به عن الرضاع ، ويحتمل أنها جاءت به عند ولادته ليحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحمل النفي على عمومه ويؤيده رواية البخاري في العقيقة أتي بصبي يحنكه والحاصل أن المراد بالطعام ما عدا اللبن يرتضعه والتمر الذي يحنك به والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها ، فكأن المراد أنه لم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال ( فأجلسه ) أي الابن ( في حجره ) بفتح الحاء على الأشهر وتكسر وتضم كما في المحكم وغيره أي حضنه أي وضعه إن قلنا إنه كان كما ولد ، ويحتمل أن الجلوس حصل منه على العادة إن قلنا كان في سن من يحبو كما في قصة الحسن . قاله الحافظ في الفتح ( فبال على ثوبه ) أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ( فدعا بماء فنضحه ) بالضاد المعجمة والحاء المهملة . قال الجوهري وصاحب القاموس وصاحب المصباح : النضح الرش ، وقال ابن الأثير وقد نضح عليه الماء ونضحه به : إذا رشه عليه ، وقد يرد النضح بمعنى الغسل والإزالة ، ومنه الحديث ونضح الدم عن جبينه . وحديث الحيض ثم لتنضحه أي تغسله انتهى مختصرا . وقال في لسان العرب النضح الرش نضح عليه الماء ينضحه نضحا إذا ضربه بشيء فأصابه منه رشاش . وفي حديث قتادة النضح من النضح يريد من أصابه نضح من البول وهو الشيء اليسير منه فعليه أن ينضحه بالماء وليس عليه غسله . قال الزمخشري هو [ ص: 29 ] أن يصيبه من البول رشاش كرءوس الإبر . وقال ابن الأعرابي النضح ما كان على اعتماد وهو ما نضحته بيدك معتمدا والنضح ما كان على غير اعتماد ، وقيل هما لغتان بمعنى واحد وكله رش ، وانتضح نضح شيئا من ماء على فرجه بعد الوضوء ، والانتضاح بالماء وهو أن يأخذ ماء قليلا فينضح به مذاكيره ومؤتزره بعد فراغه من الوضوء لينفي بذلك عنه الوسواس انتهى ملخصا . والحاصل أن النضح يجيء لمعان منها الرش ، ومنها الغسل ، ومنها الإزالة ، ومنها غير ذلك لكن استعماله بمعنى الرش أكثر وأغلب وأشهر حتى لا يفهم غير هذا المعنى إلا بقرينة تدل على ذلك ، ولا يخفى عليك أن الرش غير الغسل فإن الرش أخف من الغسل ، وفي الغسل استيعاب المحل المغسول بالماء لإنقاء ذلك المحل ولإزالة ما هناك ، والنضح يحصل إذا ضربت المحل بشيء من ماء فأصاب رشاش من الماء على ذلك المحل ، وليس المقصود من النضح ما هو المقصود من الغسل بل الرش أدون وأنقص من الغسل ( ولم يغسله ) : وهذا تأكيد لمعنى النضح أي اكتفى على النضح والرش ولم يغسل المحل المتلوث بالبول . والحديث أخرجه مالك في الموطأ بهذا اللفظ ، ومن طريقه البخاري مثله سندا ومتنا . وفي رواية لمسلم : فنضحه على ثوبه ولم يغسله غسلا وفي لفظ له ولابن ماجه : فدعا بماء فرشه وفي لفظ له : فلم يزد على أن نضح بالماء وفي هذه الروايات رد على الطحاوي والعيني حيث قالا : إن المراد بالنضح في هذا الحديث الغسل . وحديث أم قيس هذا أخرجه مالك والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه والطحاوي والدارمي .




                                                                      الخدمات العلمية