الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ترجمة زيد بن حارثة

                                                                                      وأما أبو أسامة زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 131 ] وأول من آمن به من الموالي ; فإنه من كبار السابقين الأولين وكان من الرماة المذكورين . آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة بن عبد المطلب ، وعاش خمسا وخمسين سنة ، وهو الذي سمى الله في كتابه في قوله : ( فلما قضى زيد منها وطرا ) يعني من زينب بنت جحش : ( زوجناكها ( 37 ) ) [ الأحزاب ] . وكان المسلمون يدعونه زيد ابن النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( 40 ) ) [ الأحزاب ] . وقال تعالى : ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ( 4 ) ) [ الأحزاب ] . وقال ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ( 5 ) ) [ الأحزاب ] .

                                                                                      روى عن زيد ابنه أسامة وأخوه جبلة .

                                                                                      واختلف في سنه ، فروى الواقدي أن محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد حدثه ، عن أبيه ، قال : كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين زيد بن حارثة عشر سنين; رسول الله أكبر منه ، وكان قصيرا شديد الأدمة أفطس .

                                                                                      قال محمد بن سعد : كذا صفته في هذه الرواية ، وجاءت من وجه آخر أنه كان أبيض وكان ابنه أسود . ولذلك أعجب النبي صلى الله عليه وسلم بقول مجزز المدلجي القائف : " إن هذه الأقدام بعضها من بعض " .

                                                                                      قلت : وعلى هذه الرواية أيضا يكون عمره خمسين سنة أو نحوها .

                                                                                      وقال أبو إسحاق السبيعي : إن زيد بن حارثة أغارت عليه خيل من تهامة ، فوقع إلى خديجة فاشترته ، ثم وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم . ويروى أنها اشترته بسبع مائة درهم .

                                                                                      [ ص: 132 ] وقال الزهري : ما علمنا أحدا أسلم قبله .

                                                                                      وقال موسى بن عقبة : حدثنا سالم بن عبد الله ، عن ابن عمر ، قال : ما كنا ندعو زيدا إلا زيد بن محمد . فنزلت : ( ادعوهم لآبائهم ( 5 ) ) [ الأحزاب ] .

                                                                                      وقال يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال : غزوت مع زيد بن حارثة سبع غزوات ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤمره علينا . كذا رواه الفسوي عن أبي عاصم عن يزيد .

                                                                                      وقال ابن عيينة : أخبرنا عبد الله بن دينار ، سمع ابن عمر يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أسامة على قوم ، فطعن الناس فى إمارته . فقال : " إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه ، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن ابنه هذا لأحب الناس إلي بعده " .

                                                                                      وقال ابن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي : " يا زيد أنت مولاي ومني وإلي وأحب القوم إلي " .

                                                                                      [ ص: 133 ] وقال محمد بن عبيد : حدثنا إسماعيل ، عن مجالد ، عن عامر ، عن عائشة أنها كانت تقول : " لو أن زيدا كان حيا لاستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      ورواه محمد بن عبيد مرة أخرى ، فقال : حدثنا وائل بن داود ، عن البهي ، عن عائشة ، قالت : ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم ، ولو بقي بعده استخلفه .

                                                                                      وقال حسين بن واقد ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " دخلت الجنة فاستقبلتني جارية شابة ، فقلت : لمن أنت ؟ قالت : لزيد بن حارثة .

                                                                                      إسناده حسن ، رواه الروياني في مسنده . ورواه حماد بن سلمة عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد يرفعه .

                                                                                      وقال حماد بن زيد ، عن خالد بن سلمة المخزومي ، قال : أصيب زيد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم منزله ، فجهشت بنت زيد في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكى حتى انتحب . فقال له سعد بن عبادة : يا رسول الله ، ما هذا ؟ قال : " شوق الحبيب إلى حبيبه "

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية