الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما انقضى ذلك على أتم وجه؛ وأحسن سياق ونحو؛ وختم بصفتي العفو؛ والقدرة; شرع في بيان أحوال من لا يعفى عنه من أهل الكتاب؛ وبيان أنهم هم الذين أضلوا المنافقين؛ بما يلقون إليهم من الشبه التي وسع عقولهم لها ما أنعم به عليهم - سبحانه وتعالى - من العلم؛ فأبدوا الشر؛ وكتموا الخير؛ فوضعوا نعمته حيث يكره؛ ثم كشف - سبحانه وتعالى - بعض شبههم؛ فقال - مبينا لما افتتح به قصصهم؛ من أنهم اشتروا الضلالة بالهدى؛ ويريدون ضلال غيرهم؛ بعد أن كان ختم هناك [ ص: 450 ] ما قبل قصصهم بقوله: "عفوا قديرا" -: إن الذين يكفرون ؛ أي: يسترون ما عندهم من العلم؛ بالله ؛ أي: الذي له الاختصاص بالجلال؛ والجمال؛ ورسله ؛ ولما ذكر آخر أمرهم؛ ذكر السبب الموقع فيه؛ فقال: ويريدون أن يفرقوا بين الله ؛ أي: الذي له الأمر كله؛ ولا أمر لأحد معه؛ ورسله ؛ أي: فيصدقون بالله؛ ويكذبون ببعض الرسل؛ فينفون رسالاتهم؛ المستلزم لنسبتهم إلى الكذب على الله؛ المقتضي لكون الله - سبحانه وتعالى - بريئا منهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر الإرادة؛ ذكر ما نشأ عنها؛ فقال: ويقولون نؤمن ببعض ؛ أي: من الله ورسله؛ كاليهود الذين آمنوا بموسى - عليه الصلاة والسلام -؛ وغيره؛ إلا عيسى؛ ومحمدا - صلى الله عليه وسلم -؛ فكفروا بهما؛ ونكفر ببعض ؛ أي: من ذلك؛ وهم الرسل؛ كمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ ويريدون أن يتخذوا ؛ أي: يتكلفوا أن يأخذوا؛ بين ذلك ؛ أي: الإيمان؛ والكفر؛ سبيلا ؛ أي: طريقا يكفرون به؛ وعطف الجمل بالواو - وإن كان بعضها سببا لبعض - إشارة إلى أنهم جديرون بالوصف بكل منها على انفراده؛ وأن كل خصلة كافية في نسبة الكفر إليهم؛ وقدم نتيجتها؛ [ ص: 451 ] وختم بالحكم بها؛ على وجه أضخم؛ تفظيعا لحالهم؛ وأصل الكلام: "أرادوا سبيلا بين سبيلين؛ فقالوا: نكفر ببعض؛ فأرادوا التفرقة؛ فكفروا كفرا هو في غاية الشناعة على علم منهم"؛ فأنتج ذلك:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية