الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 784 ) مسألة : قال : والمأموم إذا سمع قراءة الإمام فلا يقرأ بالحمد ، ولا بغيرها ، لقول الله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } . ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما لي أنازع القرآن ؟ ، قال : فانتهى الناس أن يقرءوا فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم } وجملة ذلك أن المأموم إذا كان يسمع قراءة الإمام ، لم تجب عليه القراءة ، ولا تستحب عند إمامنا ، والزهري ، والثوري ، ومالك ، وابن عيينة ، وابن المبارك ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وهذا أحد قولي الشافعي ، ونحوه عن سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، وسعيد بن جبير ، وجماعة من السلف . والقول الآخر للشافعي قال : يقرأ فيما جهر فيه الإمام . ونحوه عن الليث ، والأوزاعي ، وابن عون ومكحول ، وأبي ثور ، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وعن عبادة بن الصامت ، قال : { كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر ، فقرأ ، فثقلت عليه القراءة ، فلما فرغ قال : لعلكم تقرءون خلف إمامكم ؟ قلنا : نعم يا رسول الله ، قال : فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها . } رواه الأثرم ، وأبو داود . وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ، فهي خداج ، فهي خداج ، غير تمام } . قال الراوي : يا أبا هريرة ، إني أكون أحيانا وراء الإمام ؟ قال : فغمز ذراعي ، وقال : اقرأ بها في نفسك يا فارسي . رواه مسلم ، وأبو داود ، ولأنها ركن في الصلاة فلم تسقط عن المأموم ، كسائر أركانها ، ولأن من لزمه القيام لزمته القراءة مع القدرة ، كالإمام والمنفرد .

                                                                                                                                            ولنا قول الله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } . وقال أحمد : فالناس على أن هذا في الصلاة . قال سعيد بن المسيب ، والحسن ، وإبراهيم ، ومحمد بن كعب ، والزهري : إنها نزلت في شأن الصلاة . وقال زيد بن أسلم ، وأبو العالية : كانوا يقرءون خلف الإمام ، فنزلت : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له [ ص: 330 ] وأنصتوا لعلكم ترحمون } .

                                                                                                                                            وقال أحمد ، في رواية أبي داود : أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة . ولأنه عام فيتناول بعمومه الصلاة ، وروى أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنما جعل الإمام ليؤتم به . فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا } . رواه مسلم . والحديث الذي رواه الخرقي ، رواه مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة فقال : هل قرأ معي أحد منكم ؟ فقال رجل : نعم يا رسول الله ، قال : ما لي أنازع القرآن . قال : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه من الصلوات ، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم . } أخرجه مالك ، في الموطأ ، وأبو داود ، والترمذي ، وقال : حديث حسن ، ورواه الدارقطني بلفظ آخر ، قال : { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ، فلما قضاها قال : هل قرأ أحد منكم معي بشيء من القرآن ؟ فقال رجل من القوم : أنا يا رسول الله ، فقال : إني أقول : ما لي أنازع القرآن ؟ إذا أسررت بقراءتي فاقرءوا ، وإذا جهرت بقراءتي فلا يقرأن معي أحد } .

                                                                                                                                            ولأنه إجماع فإنه إجماع ، قال أحمد ، ما سمعنا أحدا من أهل الإسلام يقول : إن الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزئ صلاة من خلفه إذا لم يقرأ . وقال : هذا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون ، وهذا مالك في أهل الحجاز وهذا الثوري ، في أهل العراق ، وهذا الأوزاعي ، في أهل الشام ، وهذا الليث ، في أهل مصر ، ما قالوا لرجل صلى خلف الإمام ، وقرأ إمامه ، ولم يقرأ هو : صلاته باطلة .

                                                                                                                                            ولأنها قراءة لا تجب على المسبوق ، فلا تجب على غيره ، كقراءة السورة ، يحققه أنها لو وجبت على غير المسبوق لوجبت على المسبوق ، كسائر أركان الصلاة . فأما حديث عبادة ، الصحيح ، فهو محمول على غير المأموم ، وكذلك حديث أبي هريرة ، وقد جاء مصرحا به رواه الخلال ، بإسناده عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ، إلا أن تكون وراء الإمام } وقد روي أيضا موقوفا عن جابر . وقول أبي هريرة : اقرأ بها في نفسك . من كلامه ، وقد خالفه جابر ، وابن الزبير ، وغيرهما ، ثم يحتمل أنه أراد : اقرأ بها في سكتات الإمام ، أو في حال إسراره .

                                                                                                                                            فإنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : { إذا قرأ الإمام فأنصتوا } ، والحديث الآخر ، وحديث عبادة الآخر ، لم يروه غير ابن إسحاق . كذلك قاله الإمام أحمد ، وقد رواه أبو داود ، عن مكحول ، عن نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري . وهو أدنى حالا من ابن إسحاق . فإنه غير معروف من أهل الحديث وقياسهم يبطل بالمسبوق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية