الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      غزوة الطائف

                                                                                      فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين يريد الطائف في شوال ، وقدم خالد بن الوليد على مقدمته . وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يكفيهم لسنة ، فلما انهزموا من أوطاس دخلوا الحصن وتهيئوا للقتال .

                                                                                      قال محمد بن شعيب ، عن عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الطائف فحاصرهم ، ونادى مناديه : من خرج منهم من عبيدهم فهو حر . فاقتحم إليه من حصنهم نفر ، منهم أبو بكرة بن مسروح أخو زياد بن أبيه ، فأعتقهم ، ودفع كل رجل منهم إلى رجل من أصحابه ليحمله . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى على الجعرانة . فقال : " إني معتمر " .

                                                                                      وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، وقال إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، عن عمه موسى ، قالا : ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، وترك السبي بالجعرانة ، وملئت عرش مكة منهم . ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة ، يقاتلهم ، وثقيف ترمي بالنبل ، وكثرت الجراح ، وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها ، فقالت ثقيف : لا تفسدوا الأموال فإنها لنا أو لكم . واستأذنه المسلمون [ ص: 208 ] في مناهضة الحصن ، فقال : ما أرى أن نفتحه ، وما أذن لنا فيه .

                                                                                      وزاد عروة ، قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يقطع كل رجل من المسلمين خمس نخلات أو حبلات من كرومهم . فأتاه عمر فقال : يا رسول الله ، إنها عفاء لم تؤكل ثمارها . فأمرهم أن يقطعوا ما أكلت ثمرته ، الأول فالأول . وبعث مناديا ينادي : من خرج إلينا فهو حر .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : لم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة ، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق .

                                                                                      ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة إلى الطائف ، وابتنى بها مسجدا وصلى فيه . وقتل ناس من أصحابه بالنبل ، ولم يقدر المسلمون أن يدخلوا حائطهم ، أغلقوه دونهم . وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم بضعا وعشرين ليلة ، ومعه امرأتان من نسائه ; إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية . فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو أمية بن عمرو بن وهب مسجدا . وكان في ذلك المسجد سارية لا تطلع عليها الشمس يوما من الدهر ; فيما يذكرون ، إلا سمع لها نقيض . والنقيض : صوت المحامل .

                                                                                      وقال يونس بن بكير ، عن هشام بن سنبر ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن أبي نجيح السلمي ، قال : حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الطائف ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من بلغ بسهم فله درجة في الجنة " فبلغت يومئذ ستة عشر سهما . وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل [ ص: 209 ] محرر " .

                                                                                      وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أمها ، قالت : كان عندي مخنث ، فقال لأخي عبد الله : إن فتح الله عليكم الطائف غدا ، فإني أدلك على ابنة غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان . فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقال : " لا يدخلن هذا عليكم " . متفق عليه بمعناه .

                                                                                      وقال الواقدي عن شيوخه ، أن سلمان قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم - يعني الطائف - فإنا كنا بأرض فارس ننصبه على الحصون ، فإن لم يكن منجنيق طال الثواء . فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل منجنيقا بيده ، فنصبه على حصن الطائف . ويقال : قدم بالمنجنيق يزيد بن زمعة ، ودبابتين . ويقال : الطفيل بن عمرو قدم بذلك . قال : فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار ، فحرقت الدبابة . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم وتحريقها فنادى سفيان بن عبد الله الثقفي : لم تقطع أموالنا ؟ فإما هي لنا أو لكم . فتركها .

                                                                                      وقال أبو الأسود ، عن عروة ، من طريق ابن لهيعة : أقبل عيينة بن بدر حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ائذن لي أن أكلمهم ، لعل الله أن يهديهم . فأذن له ، فانطلق حتى دخل الحصن ، فقال : بأبي أنتم ، تمسكوا بمكانكم ، والله لنحن أذل من العبيد ، وأقسم بالله لئن حدث به حدث لتملكن العرب عزا ومنعة ، فتمسكوا بحصنكم . ثم خرج فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ماذا قلت لهم ؟ " قال : دعوتهم إلى الإسلام ، وحذرتهم [ ص: 210 ] النار وفعلت . فقال : " كذبت ، بل قلت كذا وكذا " قال : صدقت يا رسول الله ، أتوب إلى الله وإليك .

                                                                                      أخبرنا محمد بن عبد العزيز المقرئ سنة اثنين وتسعين وست مائة ، ومحمد بن أبي الحزم ، وحسن بن علي ، ومحمد بن أبي الفتح الشيباني ، ومحمد بن أحمد العقيلي ، ومحمد بن يوسف الذهبي ، وآخرون ، قالوا : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد السخاوي .

                                                                                      ( ح ) وأخبرنا عبد المعطي بن عبد الرحمن ; بالإسكندرية ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن مكي .

                                                                                      ( ح ) وأخبرنا لؤلؤ المحسني ; بمصر ، وعلي بن أحمد ، وعلي بن محمد الحنبليان ، وآخرون ، قالوا : أخبرنا أبو الحسن علي بن هبة الله الفقيه ، قالوا : أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الحافظ ، قال : أخبرنا أبو الحسن مكي بن منصور الكرجي .

                                                                                      وقرأت على سنقر القضائي بحلب : أخبرك عبد اللطيف بن يوسف . وسمعته سنة اثنتين وتسعين على عائشة بنت عيسى ابن الموفق ، قالت : أخبرنا جدي أبو محمد ابن قدامة سنة أربع عشرة وست مائة حضورا ، قالا : أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي ، قال : أخبرنا محمد بن أحمد الساوي سنة سبع وثمانين وأربع مائة ، قالا : أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا زكريا بن يحيى المروزي ببغداد ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي العباس ، عن عبد الله بن عمر ، قال : حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ، فلم ينل منهم شيئا . قال : إنا قافلون غدا إن شاء الله . فقال المسلمون : أنرجع ولم نفتحه ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اغدوا على القتال غدا " فأصابهم جراح . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا [ ص: 211 ] قافلون غدا إن شاء الله " فأعجبهم ذلك . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      أخرجه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن سفيان هكذا . وعنده : عبد الله بن عمرو ، في بعض النسخ بمسلم .

                                                                                      وأخرجه البخاري ، عن ابن المديني ، عن سفيان ، فقال : عبد الله بن عمرو . قال البخاري : قال الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا عمرو ، قال : سمعت أبا العباس الأعمى ، يقول : عبد الله بن عمر بن الخطاب .

                                                                                      وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا ابن عيينة ، فذكره ، وقال فيه : عبد الله بن عمرو .

                                                                                      ثم قال أبو بكر : وسمعت ابن عيينة يحدث به مرة أخرى ، عن ابن عمر .

                                                                                      وقال المفضل بن غسان الغلابي ، أظنه عن ابن معين . قال أبو العباس الشاعر ، عن عبد الله بن عمرو ، وابن عمر ; في فتح الطائف : الصحيح ابن عمر .

                                                                                      قال : واسم أبي العباس : السائب بن فروخ مولى بني كنانة .

                                                                                      وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ارتحل عن الطائف بأصحابه ودعا حين ركب قافلا : " اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم " .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، وعبد الله بن المكدم ، عمن أدركوا ، قالوا : حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك . ثم انصرف عنهم ، فقدم المدينة ، فجاءه وفدهم في [ ص: 212 ] رمضان فأسلموا .

                                                                                      قال ابن إسحاق : واستشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف : سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية ، وعرفطة بن حباب ، وعبد الله بن أبي بكر الصديق ، رمي بسهم فمات بالمدينة في خلافة أبيه ، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي ; أخو أم سلمة ، وأمه عاتكة بنت عبد المطلب ، وكان يقال لأبي أمية ; واسمه حذيفة : زاد الراكب ، وكان عبد الله شديدا على المسلمين ، قيل هو الذي قال : ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ( 90 ) ) [ الإسراء ] وما بعدها ، ثم أسلم قبل فتح مكة بيسير ، وحسن إسلامه ، وهو الذي قال له هيت المخنث : يا عبد الله ، إن فتح الله عليكم الطائف ، فإني أدلك على ابنة غيلان . . الحديث - وعبد الله بن عامر بن ربيعة ، والسائب بن الحارث ، وأخوه : عبد الله ، وجليحة بن عبد الله .

                                                                                      ومن الأنصار : ثابت بن الجذع ، والحارث بن سهل بن أبي صعصعة ، والمنذر بن عبد الله ، ورقيم بن ثابت .

                                                                                      فذلك اثنا عشر رجلا ، رضي الله عنهم .

                                                                                      ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار نوفل بن معاوية الديلي في أهل الطائف ، فقال : ثعلب في جحر ، إن أقمت عليه أخذته ، وإن تركته لم يضرك .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية