الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : ومن قتله منكم متعمدا ؛ [ ص: 207 ] أي : عمدا لقتله؛ كأنه ناس أنه محرم؛ ومتعمد للقتل؛ وجائز أن يقصد القتل؛ وهو يعلم أنه محرم؛ وقوله : فجزاء مثل ما قتل من النعم ؛ و " فجزاء مثل ما قتل " ؛ برفع " مثل " ؛ وجرها؛ فمن رفعهما جميعا فرفعه على معنى " فعليه جزاء مثل الذي قتل " ؛ فيكون " مثل " " من نعت الجزاء؛ ويكون أن ترفع " جزاء " ؛ على الابتداء؛ ويكون " مثل قتل " ؛ خبر الابتداء؛ ويكون المعنى : " فجزاء ذلك الفعل مثل ما قتل " ؛ ومن جر أراد " فعليه جزاء مثل ذلك المقتول من النعم " ؛ و " النعم " ؛ في اللغة؛ هي : الإبل؛ والبقر؛ والغنم؛ وإن انفردت الإبل منها قيل لها : " نعم " ؛ وإن انفردت الغنم والبقر لم تسم " نعما " ؛ فكان عليه بحذاء حمار الوحش؛ وبقرة الوحش؛ بدنة؛ وعليه بحذاء الظباء من الغنم شاة.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل - : يحكم به ذوا عدل منكم ؛ أي : من أهل ملتكم؛ فعلى قاتل الصيد أن يسأل فقيهين عدلين عن جزاء ما قتل؛ ويقولان له : " أقتلت صيدا قبل هذا وأنت محرم؟ " ؛ فإن اعترف بأنه قتل صيدا قبل ذلك؛ لم يحكما عليه بشيء؛ لقول الله - عز وجل - : ومن عاد فينتقم الله منه ؛ وإن لم يعترف نظرا فيما قتل؛ فإن كان كالإبل؛ حكما عليه بها هديا بالغ الكعبة ؛ وإن كان كالشاء؛ حكما عليه بمثل ذلك؛ وإن كانت القيمة لا تبلغ؛ نظرا فقدرا قيمة ذلك؛ وأطعم بثمن ذلك المساكين؛ كل مسكين - قال بعضهم - صاعا من حنطة؛ وقال بعضهم : نصف صاع؛ أو صام بعدل ذلك؛ على ما توجبه السنة؛ ويجوز أن تكون " أو " ؛ وهو الأجود في اللغة؛ للتخيير؛ فإن شاء أهدى؛ وإن شاء قوما له الهدي؛ وأطعم بدله على ما وصفنا؛ وجعل مثل ذلك صياما؛ لأن " أو " ؛ للتخيير؛ وقال بعضهم : كأنه إن لم يقدر على الإبل والغنم [ ص: 208 ] فينبغي أن يطعم؛ أو يصوم؛ والذي يوجبه اللفظ التخيير؛ وأهل الفقه أعلم بالسنة في ذلك؛ إلا أني أختار على مذهب اللغة أنه مخير؛ وقوله : هديا بالغ الكعبة ؛ منصوب على الحال؛ المعنى : يحكمان به مقدرا أن يهدى؛ و " بالغ الكعبة " ؛ لفظه لفظ معرفة؛ ومعناه النكرة؛ المعنى " بالغا الكعبة " ؛ إلا أن التنوين حذف استخفافا؛ ومعنى قوله : أو عدل ذلك أو مثل ذلك؛ قال بعضهم : " عدل الشيء " : مثله من جنسه؛ و " عدله " : مثله من غير جنسه؛ بفتح العين؛ وقال : إلا أن بعض العرب يغلط فيجعل " العدل " ؛ و " العدل " ؛ في معنى " المثل " ؛ وإن كان من غير جنس الأول؛ قال البصريون : " العدل " ؛ و " العدل " ؛ في معنى " المثل " ؛ والمعنى واحد؛ كان لمثل من الجنس؛ أو من غير الجنس؛ كما أن المثل ما كان من جنس الشيء؛ ومن غير جنسه؛ " مثل " ؛ ولم يقولوا : إن العرب غلطت؛ وليس إذا أخطأ مخطئ يوجب أن تقول : إن بعض العرب غلط؛ وقوله : صياما ؛ منصوب على التمييز؛ المعنى : أو مثل ذلك من الصيام؛ ليذوق وبال أمره؛ " الوبال " : ثقل الشيء في المكروه؛ ومنه قولهم : " طعام وبيل " ؛ و " ماء وبيل " ؛ إذا كانا ثقيلين غير ناميين في المال؛ قال - عز وجل - : فأخذناه أخذا وبيلا ؛ أي : ثقيلا شديدا؛ و " الوبيل " : خشبة القصار؛ ومن هذا قيل لها : " وبيل " ؛ قال طرفة بن العبد : [ ص: 209 ]

                                                                                                                                                                                                                                        عقيلة شيخ كالوبيل يلندد



                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : ومن عاد فينتقم الله منه ؛ الفاء جواب الجزاء؛ والمعنى أنه - والله أعلم - " ومن عاد مستحلا للصيد بعد أن حرمه الله منه فينتقم الله منه " ؛ أي : فيعذبه الله؛ وجائز أن يكون : " من عاد مستخفا بأمر الله فجزاؤه العذاب؛ كجزاء قاتل النفس " .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية