الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      موت عبد الله بن أبي

                                                                                      قال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني الزهري ، عن عروة ، عن أسامة بن زيد ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي يعوده في مرضه الذي مات فيه ، فلما عرف فيه الموت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله إن كنت لأنهاك عن حب يهود " . فقال : قد أبغضهم أسعد بن زرارة ، فمه ؟

                                                                                      وقال الواقدي : مرض عبد الله بن أبي ابن سلول في أواخر شوال ، ومات في ذي القعدة . وكان مرضه عشرين ليلة . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده فيها . فلما كان اليوم الذي مات فيه ، دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه ، فقال : " قد نهيتك عن حب يهود " . فقال : قد أبغضهم أسعد فما نفعه ؟ ثم قال : يا رسول الله ، ليس هذا بحين عتاب ، هو [ ص: 258 ] الموت ، فإن مت فاحضر غسلي ، وأعطني قميصك أكفن فيه ، وصل علي واستغفر لي .

                                                                                      هذا حديث معضل واه ، لو أسنده الواقدي لما نفع ، فكيف وهو بلا إسناد ؟

                                                                                      وقال ابن عيينة ، عن عمرو ، عن جابر ، قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج ، فوضع على ركبتيه ، أو فخذيه ، فنفث عليه من ريقه وألبسه قميصه . والله أعلم . متفق عليه .

                                                                                      وقال أبو أسامة ، وغيره : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : لما توفي عبد الله بن أبي ، أتى ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه ، فأعطاه . ثم سأله أن يصلي عليه ; فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه ، فقام عمر فأخذ ثوبه ، فقال : يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله عنه ؟ قال : إن ربي خيرني ، فقال : ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( 80 ) ) [ التوبة ] وسأزيد على السبعين . فقال : إنه منافق قال : فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله ( 84 ) ) [ التوبة ] متفق عليه .

                                                                                      وفيها : قتل عروة بن مسعود الثقفي ، وكان سيدا شريفا من عقلاء العرب ودهاتهم ، دعا قومه إلى الإسلام فقتلوه . فيروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثله مثل صاحب ياسين ، دعا قومه إلى الله فقتلوه " .

                                                                                      وفيها : توفيت السيدة أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، زوجة عثمان [ ص: 259 ] رضي الله عنهما .

                                                                                      وفيها : توفي عبد الله ذو البجادين رضي الله عنه ، ودفن بتبوك ، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأثنى عليه ونزل في حفرته ، وأسنده في لحده . وقال : " اللهم إني أمسيت عنه راضيا ، فارض عنه " .

                                                                                      وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن إبراهيم التيمي ، قال : كان عبد الله ذو البجادين من مزينة . وكان يتيما في حجر عمه ، وكان يحسن إليه . فلما بلغه أنه قد أسلم ، قال : لئن فعلت لأنزعن منك جميع ما أعطيتك . قال : فإني مسلم . فنزع كل شيء أعطاه ، حتى جرده ثوبه ، فأتى أمه ، فقطعت بجادا لها باثنين ، فاتزر نصفا وارتدى نصفا ، ولزم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان يرفع صوته بالقرآن والذكر . وتوفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      وفيها : قدم وفد ثقيف من الطائف ، فأسلموا بعد تبوك ، وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا .

                                                                                      وفيها بعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك ، مات سهيل ، أخو سهل ابن بيضاء ، وهي أمهما ، واسمها دعد بنت جحدم ، وأما أبوه فوهب بن ربيعة الفهري . ولسهيل صحبة ورواية حديث ، وهو حديث يحيى بن أيوب المصري ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن سعيد بن الصلت ، عن سهيل ابن بيضاء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة " وليحيى بن سعيد الأنصاري ، عن محمد بن إبراهيم ، نحوه .

                                                                                      وأما الدراوردي ، فقال : عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن سعيد بن الصلت ، عن عبد الله بن أنيس . وهذا متصل عن سهيل ، إذ سعيد بن الصلت تابعي كبير لا يمكنه أن يسمع من سهيل ، ولو سمع منه [ ص: 260 ] لسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكان صحابيا ، لكن المرسل أشهر . وكان سهيل ابن بيضاء من السابقين الأولين ، شهد بدرا وغيرها . وكذلك أخوه سهل ، وقد توفي أيضا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      وقال عبد الوهاب بن عطاء : أخبرنا حميد ، عن أنس ، قال : كان أبو عبيدة ، وأبي بن كعب ، وسهيل ابن بيضاء ، عند أبي طلحة ، وأنا أسقيهم ، حتى كاد الشراب أن يأخذ فيهم . ثم ذكر تحريم الخمر بطوله .

                                                                                      وقال ابن أبي فديك ، عن الضحاك بن عثمان ، عن أبي النضر ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت لما توفي سعد : أدخلوه المسجد حتى أصلي عليه ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وسهل .

                                                                                      وقال فيه غير الضحاك : ما أسرع ما نسوا ; لقد صلى على سهيل ابن بيضاء في المسجد .

                                                                                      وفيها : توفي زيد بن سعية ; بالياء ، وبالنون أشهر ; وهو أحد الأحبار الذين أسلموا . وكان كثير العلم والمال . وخبر إسلامه رواه الوليد بن مسلم ، عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده عبد الله ، قال : لما أراد الله هدي زيد بن سعنة ، قال : ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه ، إلا شيئين لم أخبرهما منه : يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل إلا حلما . وذكر الحديث بطوله . وهو في الطوالات للطبراني ، وآخره : فقال زيد : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . وآمن به وبايعه ، وشهد معه مشاهد ، وتوفي في غزوة [ ص: 261 ] تبوك مقبلا غير مدبر . والحديث غريب ، من الأفراد .

                                                                                      قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : وفيها قتلت فارس ملكهم شهرابرز بن شيرويه ، وملكوا عليهم بوران بنت كسرى ، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " .

                                                                                      وفيها : توفي عبد الله بن سعد بن سفيان الأنصاري ، من بني سالم بن عوف ، كنيته أبو سعد . شهد أحدا والمشاهد . وتوفي منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك ، فيقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كفنه في قميصه .

                                                                                      وفي هذه المدة : توفي زيد بن مهلهل بن زيد أبو مكنف الطائي ، فارس طيء . وهو أحد المؤلفة قلوبهم ، أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل ، وكتب له بإقطاع . وكان يدعى زيد الخيل ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير . ثم إنه رجع إلى قومه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن ينج زيد من حمى المدينة " . فلما انتهى إلى نجد أصابته الحمى ومات .

                                                                                      وفيها : حج بالناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه ; بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على الموسم في أواخر ذي القعدة ليقيم للمسلمين حجهم . فنزلت : ( براءة ) إثر خروجه .

                                                                                      وفي أولها نقض ما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه .

                                                                                      قال ابن إسحاق : فخرج علي رضي الله عنه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء ، حتى أدرك أبا بكر رضي الله عنه بالطريق . فلما رآه أبو بكر ، قال : أميرا أو مأمورا ؟ قال : لا ؛ بل مأمور . ثم مضيا . فأقام أبو بكر للناس حجهم ، حتى إذا كان يوم النحر ، قام علي عند الجمرة فأذن في الناس بالذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أيها الناس ، إنه لا يدخل [ ص: 262 ] الجنة إلا نفس مسلمة ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له إلى مدته . وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم من بلادهم ، ثم لا عهد لمشرك .

                                                                                      وقال عقيل ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة ، قال : بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان .

                                                                                      قال حميد بن عبد الرحمن : ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة . قال : فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر ببراءة ، أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان . أخرجه البخاري . وأخرجاه من حديث يونس ، عن الزهري .

                                                                                      وقال سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وأتبعه عليا . فذكر الحديث . وفيه : فكان علي ينادي بها ، فإذا بح قام أبو هريرة فنادى بها .

                                                                                      وقال أبو إسحاق السبيعي ، عن زيد بن يثيع ، قال : سألنا عليا رضي الله عنه : بأي شيء بعثت في ذي الحجة ؟ قال : بعثت بأربع : لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا ، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد ، فعهده إلى مدته ، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر . والله أعلم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية