الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنـزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

                                                                                                                                                                                                وقطعناهم وصيرناهم قطعا ، أي : فرقا ، وميزنا بعضهم من بعض ; لقلة الألفة بينهم .

                                                                                                                                                                                                وقرئ : "وقطعناهم" بالتخفيف اثنتي عشرة أسباطا ; كقولك : اثنتي عشرة قبيلة ، و “ الأسباط" : أولاد الولد ، جمع سبط ، وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثني عشر ولدا من ولد يعقوب ، عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                [ ص: 521 ] فإن قلت : مميز ما عدا العشرة مفرد ، فما وجه مجيئه مجموعا ؟ وهلا قيل : اثني عشر سبطا؟

                                                                                                                                                                                                قلت : لو قيل ذلك لم يكن تحقيقا لأن المراد : وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة ، وكل قبيلة أسباط لا سبط ، فوضع أسباطا موضع قبيلة ; ونظيره [من الرجز] :


                                                                                                                                                                                                بين رماحي مالك ونهشل



                                                                                                                                                                                                و" أمما " : بدل من اثنتي عشرة : ، بمعنى : وقطعناهم أمما ; لأن كل أسباط كانت أمة عظيمة ، وجماعة كثيفة العدد ، وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى ، لا تكاد تأتلف .

                                                                                                                                                                                                وقرئ : "اثنتي عشرة" بكسر الشين فانبجست : فانفجرت ، والمعنى واحد ، وهو الانفتاح بسعة وكثرة ، قال العجاج [من الرجز] :


                                                                                                                                                                                                وكيف غربي دالج تبجسا



                                                                                                                                                                                                [ ص: 522 ] فإن قلت : فهلا قيل : فضرب فانبجست؟

                                                                                                                                                                                                قلت : لعدم الإلباس ، وليجعل الانبجاس مسببا عن الإيحاء بضرب الحجر ; للدلالة على أن الموحى إليه لم يتوقف عن اتباع الأمر ، وأنه من انتفاء الشك عنه ، بحيث لا حاجة إلى الإفصاح به ، وقوله : كل أناس نظير قوله : اثنتي عشرة أسباطا ، يريد كل أمة من تلك الأمم الثنتي عشرة ، و “ الأناس" : اسم جمع غير تكسير ، نحو رخال ، وثناء ، وتوام ، وأخوات لها ، ويجوز أن يقال : إن الأصل الكسر والتكسير ، والضمة بدل من الكسرة ; كما أبدلت في نحو : سكارى ، وغيارى ، من الفتحة وظللنا عليهم الغمام : وجعلناه ظليلا عليهم في التيه ، و “ كلوا" : على إرادة القول وما ظلمونا : وما رجع إلينا ضرر ظلمهم بكفرانهم النعم ، ولكن كانوا يضرون أنفسهم ، ويرجع وبال ظلمهم إليهم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية