الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
منقبة الفقهاء -رحمهم الله تعالى-

عن أبي هريرة - رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة»؛ أي: فيهم الأخلاق الفاضلة والمفضولة، فمن كان استعداده أقوى، كانت فضيلته أتم «خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا يعني: إذا صاروا علماء الكتاب والسنة، فإن التفاوت في الجاهلية بحسب الأحساب في الإسلام، ولا يعتبر الأول إلا بالثاني.

قال في «المرقاة»: المعنى: خيارهم بمكارم الأخلاق في الجاهلية، خيارهم في الإسلام أيضا بها، إذا استووا في الفقه. انتهى. رواه مسلم. والفقه: هو الفهم لغة.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الناس لكم تبع، وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم، فاستوصوا بهم خيرا رواه الترمذي .

الخطاب للصحابة، والوصية لهم بالخير مع طلبة علم الحديث والقرآن بعده -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم أخذوا أقواله وأفعاله.

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد رواه الترمذي، وابن ماجه . وذلك لأن العالم بالكتاب والسنة وفاهمهما، لا يقبل إغواءه، ويأمر الناس بالخير، ويصونهم من تلبيسه وتزيينه، كما قال تعالى: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان [الحجر: 42].

وليس المراد بالفقيه هنا: الفقيه المصطلح عليه عند أرباب الرأي، وأصحاب [ ص: 514 ] الهوى؛ فإنه في حبالة إبليس، وليس بشديد عليه؛ لقبوله ما سول له وزينه، وهذا واضح.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خصلتان لا يجتمعان في منافق: حسن سمت، ولا فقه في الدين رواه الترمذي . فيه: أن اجتماع هاتين الخصلتين لا يكون إلا في أهل الحديث، والمنافق محروم منهما، كأن من ليس بمحدث فيه شعبة من النفاق.

وعن علي -رضي الله عنه- يرفعه: نعم الرجل الفقيه في الدين، إن احتيج إليه نفع، وإن استغني عنه، أغنى نفسه رواه رزين . فيمدح أهل الحديث، وأن حاله كله حسن، سواء كان محتاجا إليه، أو مستغنى عنه.

وعن ابن عمرو - رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر بمجلسين في مسجده، فقال: «كلاهما على خير، وأحدهما أفضل من صاحبه؛ أما هؤلاء، فيدعون الله ويرغبون إليه، فإن شاء أعطاهم، وإن شاء منعهم. وأما هؤلاء، فيتعلمون الفقه أو العلم، ويعلمون الجاهل، فهم أفضل، وإنما بعثت معلما، ثم جلس فيهم»، رواه الدارمي.

وفيه: إطلاق لفظ «الفقه»، أو «العلم» على علم الكتاب والسنة، وبيان فضيلة المحدث على العابد. والدليل على أن المراد بالفقه في هذه الأحاديث وما ورد في معناها: علم الكتاب والسنة: أن أبا الدرداء قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما حد العلم، الذي إذا بلغه الرجل كان فقيها؟ فقال: «من حفظ على أمتي أربعين حديثا في أمر دينها، بعثه الله فقيها، وكنت له يوم القيامة شافعا وشهيدا رواه البيهقي في «شعب الإيمان».

[ ص: 515 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية