الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: قال لو أن لي بكم قوة يعني أنصارا. وقال ابن عباس : أراد الولد. أو آوي إلى ركن شديد يعني إلى عشيرة مانعة. وروى أبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد) . يعني الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فما بعث الله بعده نبيا إلا في ثروة من قومه) . قال وهب بن منبه: لقد وجدت الرسل على لوط وقالوا: إن ركنك لشديد. قوله عز وجل: قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك وفي اسمه وجهان: أحدهما: أنه اسم أعجمي وهو قول الأكثرين.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه اسم عربي مأخوذ من قولهم: لطت الحوض إذا ملسته بالطين. وقيل إن لوطا كان قائما على بابه يمنع قومه من أضيافه ، فلما أعلموه أنهم رسل ربه مكن قومه من الدخول فطمس جبريل عليه السلام على أعينهم فعميت ، وعلى أيديهم فجفت. فأسر بأهلك أي فسر بأهلك ليلا ، والسرى سير الليل ، قال عبد الله بن رواحة:


                                                                                                                                                                                                                                        عند الصباح يحمد القوم السرى وتنجلي عنهم غيابات الكرى



                                                                                                                                                                                                                                        يقال وأسرى وفيهما وجهان: أحدهما: أن معناهما في سير الليل واحد.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن معناهما مختلف ، فأسرى إذا سار من أول الليل ، وسرى إذا سار في آخره ، ولا يقال في النهار إلا سار ، قال لبيد: [ ص: 491 ]

                                                                                                                                                                                                                                        إذا المرء أسرى ليلة ظن أنه     قضى عملا ، والمرء ما عاش عامل



                                                                                                                                                                                                                                        بقطع من الليل فيه أربعة تأويلات: أحدها: معناه سواد الليل ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه نصف الليل مأخوذ من قطعه نصفين ، ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        ونائحة تنوح بقطع ليل     على رجل بقارعة الصعيد



                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه الفجر الأول ، قاله حميد بن زياد.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أنه قطعة من الليل ، قاله ابن عباس . ولا يلتفت منكم أحد فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: لا ينظر وراءه منكم أحد ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يعني لا يتخلف منكم أحد ، قاله ابن عباس : الثالث: يعني لا يشتغل منكم أحد بما يخلفه من مال أو امتناع ، حكاه علي بن عيسى. إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم فيه وجهان: أحدهما: أن قوله إلا امرأتك استثناء من قوله: " فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك " وهذا قول من قرأ: إلا امرأتك بالنصب.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه استثناء من قوله: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك وهو على معنى البدل إذا قرئ بالرفع. إنه مصيبها ما أصابهم فذكره قتادة أنها خرجت مع لوط من القرية فسمعت الصوت فالتفتت ، فأرسل الله عليها حجرا فأهلكها. إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن لوطا لما علم أنهم رسل ربه قال: فالآن إذن، فقال له جبريل عليه السلام إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ) . ويجوز أن يكون قد جعل الصبح ميقاتا [ ص: 492 ] لهلاكهم لأن النفوس فيه أودع والناس فيه أجمع.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية