الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
57 [ ص: 273 ] حديث خامس لمحمد بن المنكدر .

مالك عن محمد بن المنكدر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعي ( لطعام ) فقرب إليه خبز ولحم فأكل منه ، ثم توضأ ، ثم أتي بفضل ذلك الطعام فأكل منه ، ثم صلى ولم يتوضأ .

التالي السابق


قال أبو عمر : هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع الرواة فيما علمت مرسلا .

ورواه عمر بن إبراهيم الكردي وخالد بن يزيد العمري والقدامي ، كلهم ، عن مالك ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله مسندا ، وكلهم ضعيف لا يحتج بروايته عن مالك ، ولا عن غيره لضعفهم ، والصواب فيه عن مالك ما في الموطأ مرسلا ، وقد رواه ثقات عن محمد بن المنكدر عن جابر مسندا ، وسنذكر ما حضرنا ذكره من ذلك في هذا الكتاب إن شاء الله .

[ ص: 274 ] وفيه من الفقه أن لا وضوء على من أكل مما مسته النار ، وأما قوله في هذا الحديث : فأكل منه ثم توضأ فذلك - والله أعلم - إنما كان لحدث عنده أو للفضل ، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ في الأغلب من أمره لكل صلاة ، ويدل ذلك على ما ذكرت لك , ما ذكر في هذا الحديث أنه أتي بفضل ذلك الطعام فأكل منه ، ثم صلى ولم يتوضأ فلو كان وضوؤه من أجل الطعام أولا لكان قد توضأ آخرا من بقية ذلك الطعام إذ الحكم فيه واحد ، هذا ما لا يشك فيه ذو لب . وفيه أيضا : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يتوضأ أحيانا لكل صلاة .

وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل في اليوم مرتين وربما أكثر ، وقد مضى القول والآثار وما للعلماء في هذا الباب من التنازع ، وما روي فيه عن السلف مستوعبا في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته هاهنا .

وأما رواية من روى هذا الحديث عن محمد بن المنكدر مسندا متصلا ، فحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى [ ص: 275 ] قال : حدثنا عبد الحميد بن أحمد بن عيسى بن الحسن الوراق قال : حدثنا الخضر بن داود قال : حدثنا أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم الوراق قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة قال : أخبرنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء مما مست النار فأكل وتوضأ وصلى ، ثم أكل بعد ذلك مثل ذلك فصلى ولم يتوضأ .

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي قال : حدثنا حجاج قال ابن جريج أخبرني ابن المنكدر قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قرب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبز ولحم فأكل منه ، ثم دعا بوضوء فتوضأ ، ثم صلى الظهر ، ثم دعا بفضل طعامه فأكل ، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ .

وحدثنا عبد الله قال : حدثنا محمد قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا موسى أبو عمران الرملي قال : حدثنا علي بن عياش قال : حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن [ ص: 276 ] جابر بن عبد الله قال : كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما غيرت النار .

قال أبو داود : وهذا اختصار من الحديث الأول .

وحدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرني عمرو بن منصور قال : حدثنا علي بن عياش قال : حدثنا شعيب وهو ابن أبي حمزة ، عن محمد بن المنكدر قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار .

( وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحرث بن أسامة قال : حدثنا العباس بن الفضل ) .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال : حدثنا أبو معمر قالا : حدثنا عبد الوارث قال : أخبرنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : دخلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - على امرأة من الأنصار فذبحت له شاة فأكل ، ثم صلى ولم يتوضأ .

[ ص: 277 ] ودخلت على أبي بكر بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : أين شاتكم الوالد تطبخ لنا ؟ فأكل ثم صلى ولم يتوضأ . ودخلت على عمر بعد موت أبي بكر فأكل خبزا ولحما ثم صلى ولم يتوضأ .

قال أبو عمر : قد روى هذا الحديث عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن محمد بن عقيل ، وعطاء بن أبي رباح وغيرهما ، وإنما ذكرنا في هذا الباب حديث ابن المنكدر خاصة مسندا توصيلا لمرسلات مالك وتبيانا لصحتها ، وبالله التوفيق .

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن يحيى بن عمر قال : حدثنا علي بن حرب الطائي قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل لحما فصلى ولم يتوضأ ، وأن أبا بكر الصديق أكل كتفا فصلى ولم يتوضأ ، وأن عمر بن الخطاب أكل لحما فصلى ولم يتوضأ .

قال أبو عمر : فهذه السنة الثابتة وعمل الخلفاء الراشدين ، فلا وجه عندي لما خالف ذلك من الآثار والأقوال ، والله المستعان .

[ ص: 278 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص قال : حدثنا عمرو بن عثمان بن كثير بن دينار الحمصي قال : حدثنا عقبة بن علقمة البيروتي معافري عن الأوزاعي قال : كان يتوضأ مما مست النار ، حتى لقي عطاء بن أبي رباح ، فأخبره عن جابر بن عبد الله أن أبا بكر أكل ذراعا أو كتفا ، ثم صلى ولم يتوضأ ، فقيل له : أتركت الوضوء ؟ فقال : لأن يقع أبو بكر من السماء فيتقطع أحب إليه من أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال أبو عمر : بعمل الخلفاء بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب يوقف على الناسخ والمنسوخ ( فافهم ) ، وقد ذكر مالك في الموطأ عن أبي نعيم وهب بن كيسان ، عن جابر ، عن أبي بكر الصديق وعن ابن المنكدر ، وصفوان [ ص: 279 ] بن سليم ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير ، عن عمر بن الخطاب ، وعن ضمرة بن سعيد ، عن أبان بن عثمان ، عن عثمان ، وعن يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه أنهم كانوا لا يتوضئون مما مست النار .

وبلغه عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس - مثل ذلك ، وقد ذكرنا في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا ما يشفي الناظر ويكفي والحمد لله .




الخدمات العلمية