الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب استقبال القبلة قال الله تعالى : قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها قيل : إن التقلب هو التحول ، وإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقلب وجهه في السماء ؛ لأنه كان وعد بالتحويل إلى الكعبة ، فكان منتظرا لنزول الوحي به وكان يسأل الله ذلك ، فأذن الله تعالى له فيه ؛ لأن الأنبياء صلوات الله عليهم لا يسألون الله إلا بعد الإذن ؛ لأنهم لا يأمنون أن لا يكون فيه صلاح ولا يجيبهم الله فيكون فتنة على قومه . فهذا هو معنى تقلب وجهه في السماء وقد قيل فيه : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يحوله الله تعالى إلى الكعبة مخالفة لليهود وتميزا منهم ، ويروى ذلك عن مجاهد .

وقال ابن عباس : " أحب ذلك ؛ لأنها قبلة إبراهيم عليه السلام " . [ ص: 112 ] وقيل : إنه أحب ذلك استدعاء للعرب إلى الإيمان ، وهو معنى قوله : فلنولينك قبلة ترضاها وقوله : فول وجهك شطر المسجد الحرام فإن أهل اللغة قد قالوا : إن الشطر اسم مشترك يقع على معنيين : أحدهما : النصف ، يقال : شطرت الشيء أي جعلته نصفين ، ويقولون في مثل لهم : " احلب حلبا لك شطره " أي نصفه .

والثاني : نحوه وتلقاؤه .

ولا خلاف أن مراد الآية هو المعنى الثاني ، قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والربيع بن أنس . ولا يجوز أن يكون المراد المعنى الأول ؛ إذ ليس من قول أحد أن عليه استقبال نصف المسجد الحرام . واتفق المسلمون أنه لو صلى إلى جانب منه أجزأه . وفيه دلالة على أنه لو أتى ناحية من البيت فتوجه إليها في صلاته أجزأه ؛ لأنه متوجه شطره ونحوه . وإنما ذكر الله تعالى التوجه إلى ناحية المسجد الحرام ومراده البيت نفسه ؛ لأنه لا خلاف أنه من كان بمكة فتوجه في صلاته نحو المسجد أنه لا يجزيه إذا لم يكن محاذيا للبيت .

التالي السابق


الخدمات العلمية