الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ومن سورة الحاقة

                                                                                                          3320 حدثنا عبد بن حميد حدثنا عبد الرحمن بن سعد عن عمرو بن أبي قيس عن سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب زعم أنه كان جالسا في البطحاء في عصابة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فيهم إذ مرت عليهم سحابة فنظروا إليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تدرون ما اسم هذه قالوا نعم هذا السحاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمزن قالوا والمزن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والعنان قالوا والعنان ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تدرون كم بعد ما بين السماء والأرض فقالوا لا والله ما ندري قال فإن بعد ما بينهما إما واحدة وإما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة والسماء التي فوقها كذلك حتى عددهن سبع سموات كذلك ثم قال فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين السماء إلى السماء وفوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين السماء إلى السماء والله فوق ذلك قال عبد بن حميد سمعت يحيى بن معين يقول ألا يريد عبد الرحمن بن سعد أن يحج حتى نسمع منه هذا الحديث قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وروى الوليد بن أبي ثور عن سماك نحوه ورفعه وروى شريك عن سماك بعض هذا الحديث ووقفه ولم يرفعه وعبد الرحمن هو ابن عبد الله بن سعد الرازي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( ومن سورة الحاقة ) مكية وهي إحدى أو اثنتان وخمسون آية .

                                                                                                          قوله : ( عن عمرو بن أبي قيس ) الرازي ( عن عبد الله بن عميرة ) بفتح العين المهملة وكسر الميم وبالراء . قال في التقريب كوفي مقبول من الثالثة ، وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته : روى عن الأحنف بن قيس عن العباس حديث الأوعال وعنه سماك بن حرب ( عن الأحنف بن قيس ) بن معاوية بن حصين التميمي السعدي أبي بحر اسمه الضحاك وقيل صخر مخضرم ثقة ( عن العباس بن عبد المطلب ) بن هاشم عم النبي صلى الله عليه وسلم مشهور مات سنة اثنتين وثلاثين أو بعدها وهو ابن ثمان وثمانين . قوله : ( زعم ) أي قال ( أنه ) أي العباس ( كان جالسا في البطحاء ) أي في المخصب وهو موضع معروف بمكة فوق مقبرة المعلا وقد تطلق على مكة ، وأصل البطحاء على ما في القاموس مسيل واسع فيه دقاق الحصى ( في عصابة ) بكسر أوله أي مع جماعة من كفار مكة قال الطيبي استعمال " زعم " ونسبته إلى عباس رمز إلى أنه لم يكن حينئذ مسلما ولا كانوا تلك العصابة مسلمين يدل عليه البطحاء ( هل تدرون ما اسم هذه ) إشارة إلى السحابة ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمزن ) أي واسم هذه المزن أيضا . قال في النهاية : المزن هو الغيم والسحاب واحدته مزنة وقيل هي السحابة البيضاء ( قالوا والمزن ) أي اسمها أيضا المزن ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والعنان ) كسحاب زنة ومعنى من عن أي ظهر في النهاية : العنان بالفتح السحاب والواحدة عنانة وقيل ما عن لك [ ص: 165 ] منها أي اعترض وبدا لك إذا رفعت رأسك ( فإن بعد ما بينهما ) أي مقدار بعد مسافة ما بين السماء والأرض ( إما واحدة وإما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ) قيل " إما " و " أو " للشك من الراوي وقيل للتنويع . قال الأردبيلي الرواية في خمسمائة أكثر وأشهر فإن ثبت هذا فيحتمل أن يقال إن ذلك باختلاف قوة الملك وضعفه وخفته وثقله فيكون بسير القوي أقل وبسير الضعيف أكثر ، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم : " إما واحدة وإما اثنتان وإما ثلاث وسبعون سنة " انتهى . قال الطيبي المراد بـ " السبعون " في الحديث التكثير لا التحديد لما ورد من أن ما بين السماء والأرض وبين سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام ( والسماء التي فوقها ) أي فوق سماء الدنيا كذلك أي في البعد ( وفوق ذلك ) أي البحر ( ثمانية أوعال ) جمع وعل وهو العنز الوحشي ويقال له تيس شاة الجبل والمراد ملائكة على صورة الأوعال ( بين أظلافهن ) جمع ظلف بكسر الظاء المعجمة للبقر والشاة والظبي بمنزلة الحافر للدابة والخف للبعير " وركبهن " جمع ركبة ( ثم على ظهورهن العرش ) أي هو محمول عليها ( بين أسفله ) أي العرش ( مثل ما بين السماء إلى السماء ) أي من كثرة البعد مع قطع النظر عن الحد وإلا فجميع المخلوقات بجنب العرش كحلقة في فلاة على ما ورد به في حديث ( والله فوق ذلك ) أي فوق العرش ، وفيه دليل على أن الله تعالى فوق العرش وهذا هو الحق وعليه تدل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وهو مذهب السلف الصالحين من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم رضوان الله عليهم أجمعين . قالوا إن الله تعالى استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والاستواء معلوم والكيف مجهول ، والجهمية قد أنكروا العرش وأن يكون الله فوقه وقالوا : إنه في كل مكان ولهم مقالات قبيحة باطلة ، وإن شئت الوقوف على دلائل مذهب السلف والاطلاع على رد مقالات الجهمية الباطلة فعليك أن تطالع كتاب الأسماء والصفات للبيهقي ، وكتاب أفعال العباد للبخاري وكتاب العلو للذهبي وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله تعالى : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية

                                                                                                          قوله : ( ألا ) حرف التحضيض ( حتى يسمع ) بصيغة المجهول ( هذا الحديث ) أي لم لا يحج عبد الرحمن بن سعد حتى يسمع منه في موسم الحج [ ص: 166 ] هذا الحديث الراد على الجهمية قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) أخرجه أبو داود من ثلاث طرق اثنتان منها قويتان ( وروى الوليد بن ثور عن سماك نحوه ورفعه ) أخرجه أبو داود وابن ماجه من هذا الطريق . قال الحافظ ابن القيم في تعليقات سنن أبي داود : أما رد الحديث بالوليد بن أبي ثور ففاسد فإن الوليد لم ينفرد به بل تابعه عليه إبراهيم بن طهمان كلاهما عن سماك ومن طريقه رواه أبو داود ورواه أيضا عمرو بن أبي قيس عن سماك ومن حديثه رواه الترمذي عن عبد بن حميد أخبرنا عبد الرحمن بن سعد عن عمرو بن أبي قيس انتهى . ورواه ابن ماجه من طريق الوليد بن أبي ثور عن سماك ، وأي ذنب للوليد في هذا وأي تعلق عليه إنما ذنبه روايته ما يخالف قول الجهمية انتهى كلامه مختصرا .




                                                                                                          الخدمات العلمية