الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وكذلك أبان " المراد بتحريم الرضاع بعض المرضعين دون بعض واحتج فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسهلة بنت سهيل لما قالت له : كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل علي وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا تأمرني فقال عليه السلام : - فيما بلغنا - أرضعيه خمس رضعات ، فيحرم بلبنها ففعلت فكانت تراه ابنا من الرضاعة ، فأخذت بذلك عائشة رضي الله عنها فيمن أحبت أن يدخل عليها من الرجال ، وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس ، وقلن : ما نرى الذي أمر به صلى الله عليه وسلم إلا رخصة في سالم وحده ، وروى الشافعي رحمه الله أن أم سلمة قالت في الحديث هو لسالم خاصة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا كان خاصا فالخاص مخرج من العام ، والدليل على ذلك قول الله جل ثناؤه : حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة فجعل الحولين غاية ، وما جعل له غاية فالحكم بعد مضي الغاية خلاص الحكم قبل الغاية كقوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فإذا مضت الأقراء فحكمهن بعد مضيها خلاف حكمهن فيها ( قال المزني ) وفي ذلك دلالة عندي على نفي الولد لأكثر من سنتين بتأقيت حمله ، وفصاله ثلاثين شهرا كما نفى توقيت الحولين الرضاع لأكثر من حولين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وكان عمر رضي الله عنه لا يرى رضاع الكبير يحرم ، وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما وقال [ ص: 367 ] أبو هريرة رضي الله عنه : لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء " . قال الماوردي : وذهب أكثر الفقهاء إلى أن رضاع الكبير لا يحرم ، وقالت عائشة : رضاع الكبير يحرم كرضاع الصغير ، وبه قال من الفقهاء الأوزاعي ويشبه أن يكون قول أهل الظاهر احتجاجا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لسهلة بنت سهيل : أرضعيه خمس رضعات يحرم بهن عليك وكان سالم كبيرا ، وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها إذا أحبت أن يدخل عليها من الرجال أحد أمرت أختها أم كلثوم ، أو غيرها من بنات إخوتها وبنات أخواتها أن ترضعه خمس رضعات يصير بهن محرما ، وخالفتها أم سلمة ، وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قلن : ما نرى رضاع الكبير إلا رخصة في سالم وحده . والدليل على أن رضاع الكبير لا يحرم قول الله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة [ البقرة : 223 ] فجعل تمام الرضاع في الشرع مقدرا بحولين فاقتضى أن يكون حكمه في الشرع بعد الحولين مخالفا لحكمه في الحولين ، وحكمه في الشرع هو التحريم . وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا رضاع بعد الحولين نفيا لتحريمه لا لجوازه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا رضاع بعد فطام يعني لا يحرم رضاع بعد انقضاء زمانه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الرضاعة من المجاعة وما سد الجوعة والكبير لا يسد الرضاع جوعته ، فلم يثبت له فيه حكم . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم وروي : الرضاعة ما فتقت الأمعاء وأنبتت اللحم وهذا لا يكون إلا في الصغير ، وقد مضى الجواب عن حديث سالم في اختصاصه بالرضاع في الكبير دون الصغير .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية