الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 260 ] يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم قال مقاتل: نزلت في نصارى نجران ، السيد والعاقب ، ومن معهما . والجمهور على أن المراد بهذه الآية: النصارى . وقال الحسن: نزلت في اليهود والنصارى . والغلو: الإفراط ومجاوزة الحد ، ومنه غلا السعر . وقال الزجاج : الغلو: مجاوزة القدر في الظلم . وغلو النصارى في عيسى: قول بعضهم: هو الله ، وقول بعضهم: هو ابن الله ، وقول بعضهم: هو ثالث ثلاثة . وعلى قول الحسن غلو اليهود فيه قولهم: إنه لغير رشدة . وقال بعض العلماء: لا تغلوا في دينكم بالزيادة في التشدد فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولا تقولوا على الله إلا الحق أي: لا تقولوا إن الله له شريك [ ص: 261 ] أو ابن أو زوجة . وقد ذكرنا معنى "المسيح" و "الكلمة" في (آل عمران .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى (وروح منه) سبعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه روح من أرواح الأبدان . قال أبي بن كعب: لما أخذ الله الميثاق على بني آدم كان عيسى روحا من تلك الأرواح ، فأرسله إلى مريم ، فحملت به .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن الروح النفخ ، فسمي روحا ، لأنه حدث عن نفخة جبريل في درع مريم . ومنه قول ذي الرمة:


                                                                                                                                                                                                                                      وقلت له ارفعها إليك وأحيها بروحك واقتته لها قيتة قدرا



                                                                                                                                                                                                                                      هذا قول أبي روق .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن معنى (وروح منه) إنسان حي بإحياء الله له .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أن الروح: الرحمة ، فمعناه: ورحمة منه ، ومثله وأيدهم بروح منه [المجادلة 22] .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أن الروح هاهنا جبريل . فالمعنى: ألقاها الله إلى مريم ، والذي ألقاها روح منه ، ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو سليمان الدمشقي . [ ص: 262 ] والسادس: أنه سماه روحا ، لأنه يحيا به الناس كما يحيون بالأرواح ، ولهذا المعنى: سمي القرآن روحا ، ذكره القاضي أبو يعلى .

                                                                                                                                                                                                                                      والسابع: أن الروح: الوحي أوحى الله إلى مريم يبشرها به ، وأوحى إلى جبريل بالنفخ في درعها ، وأوحى إلى ذات عيسى أن: كن فكان . ومثله: ينزل الملائكة بالروح من أمره [النحل: 2] أي: بالوحي ، ذكره الثعلبي .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما قوله: "منه" فإنه إضافة تشريف ، كما تقول: بيت الله ، والمعنى: من أمره ، ومما يقاربها قوله: وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه [الجاثية: 13] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولا تقولوا ثلاثة قال الزجاج : رفعه بإضمار: لا تقولوا آلهتنا ثلاثة (إنما الله إله واحد أي: ما هو إلا إله واحد (سبحانه) ومعنى سبحانه: تبرئته من أن يكون له ولد . قال أبو سليمان: (وكفى بالله وكيلا) أي: قيما على خلقه ، مدبرا لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية