الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 428 ] باب

                                                                                      سلاح النبي صلى الله عليه وسلم ودوابه وعدته

                                                                                      أخبرنا عمر بن عبد المنعم قراءة ، عن أبي القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي ، عن أبي القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ قال : أخبرنا سليمان بن إبراهيم الحافظ ، وعبد الله بن محمد النيلي قالا : أخبرنا علي بن القاسم المقرئ قال : أخبرنا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي قال : كان سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار ، وكان سيفا أصابه يوم بدر . وكان له سيف ورثه من أبيه . وأعطاه سعد بن عبادة سيفا يقال له العضب . وأصاب من سلاح بني قينقاع سيفا قلعيا ، وفي رواية كان يقال له البتار واللخيف ، وكان له المخذم ، والرسوب ، وكانت ثمانية أسياف .

                                                                                      وقال شيخنا شرف الدين الدمياطي : أول سيف ملكه سيف يقال له : المأثور ، وهو الذي يقال إنه من عمل الجن ، ورثه من أبيه ، فقدم به في هجرته إلى المدينة . وأرسل إليه سعد بن عبادة بسيف يدعى " العضب " حين سار إلى بدر . وكان له ذو الفقار ، لأنه كان في وسطه مثل فقرات الظهر ، صار إليه يوم بدر ، وكان للعاص بن منبه أخي نبيه [ ص: 429 ] ابني الحجاج بن عامر السهمي - قتل العاص وأبوه وعمه كفارا يوم بدر - وكانت قبيعته ، وقائمته ، وحلقته ، وذؤابته ، وبكراته ، ونعله ، من فضة . والقائمة هي الخشبة التي يمسك بها ، وهي القبضة .

                                                                                      وروى الترمذي . من حديث هود بن عبد الله بن سعد بن مزيدة ، عن جده مزيدة قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ، وعلى سيفه ذهب وفضة .

                                                                                      وهو - بالكسر جمع فقرة ، وبالفتح جمع فقارة - سمي بذلك لفقرات كانت فيه ، وهي حفر كانت في متنه حسنة . ويقال : كان أصله من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبة من دفن جرهم ، فصنع منها ذو الفقار وصمصامة عمرو بن معدي كرب الزبيدي ، التي وهبها لخالد بن سعيد بن العاص .

                                                                                      وأخذ من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف : سيفا قلعيا ، منسوب إلى مرج القلعة - بالفتح - موضع بالبادية ، والبتار ، والحنف ، وكان عنده بعد ذلك الرسوب - من رسب في الماء إذا سفل - والمخذم وهو القاطع ، أصابهما من الفلس : صنم كان لطيئ ، وسيف يقال له القضيب ، وهو فعيل بمعنى فاعل ، والقضب : القطع .

                                                                                      وذكر الترمذي ، عن ابن سيرين قال : صنعت سيفي على سيف سمرة ، وزعم سمرة أنه صنعه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان حنفيا .

                                                                                      رواه عثمان بن سعد ، عن ابن سيرين ، وليس بالقوي ، وهو الذي روى عن أنس أن قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وسلم كانت من فضة .

                                                                                      والحنف : الاعوجاج .

                                                                                      قال شيخنا : وكانت له صلى الله عليه وسلم درع يقال لها ذات الفضول ، لطولها ، [ ص: 430 ] أرسل بها إليه سعد بن عبادة حين سار إلى بدر . وذات الوشاح وهي الموشحة ، وذات الحواشي ، ودرعان من بني قينقاع ، وهما السغدية وفضة ، وكانت السغدية درع عكير القينقاعي ، وهي درع داود عليه الصلاة والسلام التي لبسها حين قتل جالوت .

                                                                                      ودرع يقال لها البتراء ، ودرع يقال لها الخرنق ، والخرنق ولد الأرنب . ولبس يوم أحد درعين ذات الفضول وفضة . وكان عليه يوم خيبر : ذات الفضول والسغدية .

                                                                                      وقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بثلاثين صاعا من شعير ، أخذها قوتا لأهله .

                                                                                      وقال عبيس بن مرحوم العطار : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : كان في درع رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقتان من فضة في موضع الصدر ، وحلقتان من خلف ظهره ، قال محمد بن علي : فلبستها فجعلت أخطها في الأرض .

                                                                                      قال شيخنا : وكان له خمسة أقواس : ثلاث من سلاح بني قينقاع ، وقوس تدعى الزوراء ، وقوس تدعى الكتوم ، وكانت جعبته تدعى الكافور .

                                                                                      وكانت له منطقة من أديم مبشور ، فيها ثلاث حلق من فضة ، وترس يقال له الزلوق ، يزلق عنه السلاح ، وترس يقال له العنق ، وأهدي له ترس فيه تمثال عقاب أو كبش ، فوضع يده عليه فأذهب الله ذلك التمثال .

                                                                                      وأصاب ثلاثة أرماح من سلاح بني قينقاع . وكان له رمح يقال له [ ص: 431 ] المثوي ، وآخر يقال له المتثني ، وحربة اسمها البيضاء ، وأخرى صغيرة كالعكاز .

                                                                                      وكان له مغفر من سلاح بني قينقاع ، وآخر يقال له السبوغ .

                                                                                      وكانت له راية سوداء مربعة من نمرة مخملة ، تدعى العقاب .

                                                                                      وأخرج أبو داود ، من حديث سماك بن حرب ، عن رجل من قومه ، عن آخر قال : رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء ، وكانت ألويته بيضا . وربما جعل فيها الأسود ، وربما كانت من خمر بعض أزواجه .

                                                                                      وكان فسطاطه يسمى الكن .

                                                                                      وكان له محجن قدر ذراع أو أكثر ، يمشي ويركب به ، ويعلقه بين يديه على بعيره .

                                                                                      وكانت له مخصرة تسمى العرجون ، وقضيب يسمى الممشوق .

                                                                                      واسم قدحه الريان . وكان له قدح مضبب غير الريان ، يقدر أكثر من نصف المد .

                                                                                      وقال ابن سيرين ، عن أنس : إن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر ، واتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة . أخرجه البخاري .

                                                                                      وكان له قدح من زجاج ، وتور من حجارة ، يتوضأ منه كثيرا ، ومخضب من شبه .

                                                                                      وركوة تسمى الصادرة ، ومغسل من صفر ، وربعة أهداها له المقوقس ، يجعل فيها المرآة ، ومشطا من عاج ، والمكحلة ، والمقص ، والسواك .

                                                                                      [ ص: 432 ] وكانت له نعلان سبتيتان ، وقصعة ، وسرير ، وقطيفة . وكان يتبخر بالعود والكافور .

                                                                                      وقال ابن فارس بإسنادي الماضي إليه : يقال : ترك يوم توفي صلى الله عليه وسلم ثوبي حبرة ، وإزارا عمانيا ، وثوبين صحاريين ، وقميصا صحاريا ، وقميصا سحوليا ، وجبة يمنية ، وخميصة ، وكساء أبيض ، وقلانس صغارا ثلاثا أو أربعا ، وإزارا طوله خمسة أشبار ، وملحفة يمنية مورسة .

                                                                                      وأكثر هذا الباب كما ترى بلا إسناد ، نقله هكذا ابن فارس ، وشيخنا الدمياطي ، فالله أعلم هل هو صحيح أم لا ؟

                                                                                      وأما دوابه فروى البخاري من حديث عباس بن سهل بن سعد ، عن أبيه ، كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له اللحيف .

                                                                                      وروى عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد - وهو ضعيف - عن أبيه ، عن جده قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أفراس يعلفهن عند أبي سعد بن سعد الساعدي ، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسميهن : اللزاز ، والظرب ، واللحيف . رواه الواقدي عنه ، وزاد في الحديث بالسند : فأما لزاز فأهداه له المقوقس ، وأما اللحيف فأهداه له ربيعة بن أبي البراء ، فأثابه عليه فرائض من نعم بني كلاب ، وأما الظرب فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي .

                                                                                      واللزاز من قولهم : لاززته أي : لاصقته ، والملزز : المجتمع الخلق .

                                                                                      [ ص: 433 ] والظرب : واحد الظراب وهي الروابي الصغار ، سمي به لكبره وسمنه ، وقيل لقوته ، وقاله الواقدي بطاء مهملة ، وقال : سمي الطرب لتشوفه وحسن صهيله .

                                                                                      واللحيف : بمعنى لاحف ، كأنه يلحف الأرض بذنبه لطوله ، وقيل : اللحيف ، مصغرا .

                                                                                      وأول فرس ملكه : السكب ، وكان اسمه عند الأعرابي الضرس ، فاشتراه منه بعشر أواقي ، أول ما غزا عليه أحدا ، ليس مع المسلمين غيره ، وفرس لأبي بردة بن نيار . وكان له فرس يدعى المرتجز ، سمي به لحسن صهيله ، وكان أبيض . والفرس إذا كان خفيف الجري فهو سكب وفيض كانسكاب الماء .

                                                                                      وأهدى له تميم الداري فرسا يدعى الورد ، فأعطاه عمر .

                                                                                      والورد : بين الكميت والأشقر .

                                                                                      وكانت له فرس تدعى سبحة ، من قولهم : طرف سابح ، إذا كان حسن مد اليدين في الجري .

                                                                                      قال الدمياطي : فهذه سبعة أفراس متفق عليها ، وذكر بعدها خمسة عشر فرسا مختلف فيها ، وقال : قد شرحناها في " كتاب الخيل " .

                                                                                      قال : وكان سرجه دفتاه من ليف .

                                                                                      وكانت له بغلة أهداها له المقوقس ، شهباء يقال لها : دلدل ، مع حمار يقال له : عفير ، وبغلة يقال له : فضة ، أهداها له فروة الجذامي ، مع حمار يقال له يعفور ، فوهب البغلة لأبي بكر ، وبغلة أخرى .

                                                                                      قال أبو حميد الساعدي : غزونا تبوك ، فجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب ، وأهدى له بغلة بيضاء ، فكتب [ ص: 434 ] إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له بردة ، وكتب له ببحرهم . والحديث في الصحاح .

                                                                                      وقال ابن سعد : وبعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببغلة وجبة سندس . وفي إسناده عبد الله بن ميمون القداح ، وهو ضعيف .

                                                                                      ويقال : إن كسرى أهدى له بغلة وهذا بعيد ، لأنه - لعنه الله - مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      وكانت له الناقة التي هاجر عليها من مكة ، تسمى القصواء ، والعضباء ، والجدعاء ، وكانت شهباء .

                                                                                      وقال أيمن بن نابل ، عن قدامة بن عبد الله قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة صهباء يرمي الجمرة ، لا ضرب ، ولا طرد ، ولا إليك إليك . حديث حسن .

                                                                                      الصهباء : الشقراء :

                                                                                      وكانت له صلى الله عليه وسلم لقاح أغارت عليها غطفان وفزارة ، فاستنقذها سلمة بن الأكوع وجاء بها يسوقها . أخرجه البخاري . وهو من الثلاثيات .

                                                                                      وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى يوم الحديبية جملا في أنفه برة من فضة ، كان غنمه من أبي جهل يوم بدر ، أهداه ليغيظ بذلك المشركين إذا رأوه ، وكان مهريا يغزو عليه ويضرب في لقاحه .

                                                                                      وقيل : كان له صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة بالغابة ، يراح إليه منها كل ليلة بقربتين من لبن .

                                                                                      وكانت له خمس عشرة لقحة ، يرعاها يسار مولاه الذي قتله [ ص: 435 ] العرنيون واستاقوا اللقاح ، فجيء بهم فسملهم .

                                                                                      وكان له من الغنم مائة شاة ، لا يريد أن تزيد ، كلما ولد الراعي بهمة ذبح مكانها شاة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية