الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 436 ] وقد سحر النبي صلى الله عليه وسلم وسم في شواء

                                                                                      قال وهيب ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر ، حتى كان يخيل إليه أنه يصنع الشيء ولم يصنعه ، حتى إذا كان ذات يوم رأيته يدعو ، فقال : " أشعرت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته : أتاني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما : ما وجع الرجل ؟ قال الآخر : مطبوب ، قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم قال : فبم ؟ قال : في مشط ، ومشاطة ، وجف طلعة ذكر ، قال : فأين هو ؟ قال : في ذي أروان . فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رجع أخبر عائشة ، فقال : كأن نخلها رءوس الشياطين ، وكأن ماءها نقاعة الحناء . فقلت : يا رسول الله أخرجه للناس . قال : أما أنا فقد شفاني الله ، وخشيت أن أثور على الناس منه شرا .

                                                                                      في لفظ : في بئر ذي أروان .

                                                                                      روى عمر مولى غفرة - وهو تابعي أن لبيد بن أعصم سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى التبس بصره وعاده أصحابه ، ثم إن جبريل وميكائيل أخبراه ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف ، فاستخرج السحر من الجب ، ثم نزعه فحله ، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعفا عنه .

                                                                                      وروى يونس ، عن الزهري قال في ساحر أهل العهد : لا يقتل ، قد سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي ، فلم يقتله .

                                                                                      [ ص: 437 ] وعن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عنه .

                                                                                      قال الواقدي : هذا أثبت عندنا ممن روى أنه قتله .

                                                                                      وقال أبو معاوية : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم قال : كانوا يقولون إن اليهود سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمت أبا بكر .

                                                                                      وفي الصحيح عن ابن عباس أن امرأة من يهود خيبر أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة .

                                                                                      وعن جابر ، وأبي هريرة ، وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر واطمأن جعلت زينب بنت الحارث - وهي بنت أخي مرحب - ؛ وامرأة سلام بن مشكم - سما قاتلا في عنز لها ذبحتها وصلتها ، وأكثرت السم في الذراعين والكتف ، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب انصرف وهي جالسة عند رحله ، فقالت : يا أبا القاسم هدية أهديتها لك . فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت منها ، ثم وضعت بين يديه وأصحابه حضور ، منهم بشر بن البراء بن معرور ، وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهش من الذراع ، وتناول بشر عظما آخر ، فانتهش منه ، وأكل القوم منها . فلما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمة قال : " ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة " . فقال بشر : والذي أكرمك ، لقد وجدت ذلك من أكلتي ، فما منعني أن ألفظها إلا أن كرهت أن أبغض إليك طعامك ، فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك ، ورجوت أن لا تكون ازدردتها وفيها بغي ، فلم يقم بشر حتى تغير لونه ، وماطله وجعه سنة ومات .

                                                                                      وقال بعضهم : لم يرم بشر من مكانه حتى توفي ، فدعاها فقال : ما حملك ؟ قالت : نلت من قومي ، وقتلت أبي وعمي وزوجي ، فقلت : إن [ ص: 438 ] كان نبيا فستخبره الذراع ، وإن كان ملكا استرحنا منه ، فدفعها إلى أولياء بشر يقتلونها . وهو الثبت .

                                                                                      وقال أبو هريرة : لم يعرض لها واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله . حجمه أبو هند بقرن وشفرة ، وأمر أصحابه فاحتجموا أوساط رءوسهم ، وعاش بعد ذلك ثلاث سنين .

                                                                                      وكان في مرض موته يقول : " مازلت أجد من الأكلة التي أكلتها بخيبر ، وهذا أوان انقطاع أبهري ، وفي لفظ : ما زالت أكلة خيبر يعاودني ألم سمها - والأبهر عرق في الظهر - وهذا سياق غريب . وأصل الحديث في " الصحيح " .

                                                                                      وروى أبو الأحوص ، عن أبي مسعود قال : لأن أحلف بالله تسعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة ، يعني أنه مات موتا ، وذلك بأن الله اتخذه نبيا وجعله شهيدا .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية