الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 448 ] باب في خصائصه صلى الله عليه وسلم

                                                                                      وتحديثه أمته بها امتثالا لأمر الله تعالى

                                                                                      بقوله تعالى : ( وأما بنعمة ربك فحدث )

                                                                                      قرأت على أبي الحسن علي بن أحمد الهاشمي بالإسكندرية ، أخبركم محمد بن أحمد بن عمر ببغداد ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد الهاشمي سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ، قال : أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن الشافعي قال : أخبرنا أحمد بن إبراهيم العبقسي قال : حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ، قال : حدثنا محمد بن أبي الأزهر قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر قال : أخبرنا عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثلي ومثل الأنبياء قبلي ، كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله ، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه ، فجعل من مر من الناس ينظرون إليه ويتعجبون منه ويقولون : هلا وضع هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين " صلى الله عليه وسلم . البخاري عن قتيبة ، عن إسماعيل .

                                                                                      قال الزهري ، عن ابن المسيب ، وأبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نصرت بالرعب ، وأعطيت جوامع الكلم ، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض ، فوضعت بين يدي " . أخرجه مسلم ، والبخاري .

                                                                                      [ ص: 449 ] وقال العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون " . أخرجه مسلم .

                                                                                      وقال مالك بن مغول ، عن الزبير بن عدي ، عن مرة الهمداني ، عن عبد الله قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى أعطي ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن كان من أمته لا يشرك بالله المقحمات . تقحم : أي : تلقي في النار . والحديث صحيح .

                                                                                      وقال أبو عوانة : حدثنا أبو مالك ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضلت على الناس بثلاث : جعلت الأرض كلها لنا مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا ، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وأوتيت هؤلاء الآيات ، من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش " . صحيح .

                                                                                      وقال بشر بن بكر ، عن الأوزاعي : قال : حدثني أبو عمار ، عن عبد الله بن فروخ ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد بني آدم يوم القيامة ، وأول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع وأول مشفع " .

                                                                                      اسم أبي عمار : شداد . أخرجه مسلم .

                                                                                      وقال أبو حيان التيمي ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم ، فرفع إليه الذراع ، وكانت تعجبه ، فنهس منها ، [ ص: 450 ] فقال : " أنا سيد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون بم ذاك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، يسمعهم الداني وينفذهم البصر " فذكر حديث الشفاعة بطوله . متفق عليه .

                                                                                      وقال ليث بن سعد ، عن ابن الهاد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن أنس : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ، ولا فخر ، وأعطيت لواء الحمد ، ولا فخر ، وأنا سيد الناس يوم القيامة ، ولا فخر " - وساق الحديث بطوله في الشفاعة .

                                                                                      وفي الباب حديث ابن عباس .

                                                                                      والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وفي القرآن آيات متعددة في شرف المصطفى عليه السلام .

                                                                                      وعن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس قال : ما خلق الله خلقا أحب إليه من محمد صلى الله عليه وسلم ، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد إلا بحياته فقال : ( لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ( 72 ) ) [ الحجر ] .

                                                                                      وفي " الصحيح " من حديث قتادة ، عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا نائم أريت أني أسير في الجنة ، فإذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك الله ، قال : فضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أذفر " .

                                                                                      وقال الزهري ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حوضي كما بين صنعاء وأيلة ، وفيه من الأباريق عدد نجوم السماء " .

                                                                                      وقال يزيد بن أبي حبيب : حدثنا أبو الخير ، أنه سمع عقبة بن [ ص: 451 ] عامر ، يقول : آخر ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهداء أحد ، ثم رقي المنبر وقال : " إني لكم فرط وأنا شهيد عليكم ، وأنا أنظر إلى حوضي الآن ، وأنا في مقامي هذا ، وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي ، ولكني أريت أني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ، فأخاف عليكم أن تنافسوا فيها " .

                                                                                      وروى " مسلم " من حديث جابر بن سمرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني فرطكم على الحوض ، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة ، كأن الأباريق فيه النجوم " .

                                                                                      وقال معاوية بن صالح ، عن سليم بن عامر ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يدخل من أمتي يوم القيامة سبعين ألفا بغير حساب " . فقال رجل : يا رسول الله فما سعة حوضك ؟ قال : ما بين عدن وعمان وأوسع ، وفيه مثعبان من ذهب وفضة ، شرابه أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، من شرب منه لا يظمأ بعدها أبدا ، ولن يسود وجهه أبدا " . هذا حديث حسن .

                                                                                      وروى ابن ماجه من حديث عطية - وهو ضعيف - عن أبي سعيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لي حوض طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس أشد بياضا من اللبن ، آنيته عدد النجوم ، وإني أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة " .

                                                                                      وقال عطاء بن السائب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه الذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وأشد بياضا من الثلج " .

                                                                                      [ ص: 452 ] وثبت أن ابن عباس قال : الكوثر : الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه . رواه سعيد بن جبير ، وقال : النهر : الذي في الجنة من الخير الكثير .

                                                                                      وصح من حديث عائشة ، قالت : الكوثر نهر في الجنة أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شاطئه در مجوف .

                                                                                      وروي عن عائشة ، قالت : من أحب أن يسمع خرير الكوثر فليضع إصبعيه في أذنيه .

                                                                                      وصح عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة ، وأول من يشفع " .

                                                                                      وصح عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وكان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " .

                                                                                      وقال سليمان التيمي ، عن سيار ، عن أبي أمامة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله فضلني على الأنبياء ، - أو قال : أمتي على الأمم - بأربع : أرسلني إلى الناس كافة ، وجعل الأرض كلها لي ولأمتي مسجدا وطهورا ، فأينما أدرك الرجل من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره ، ونصرت بالرعب ، يسير بين يدي مسيرة شهر يقذف في قلوب أعدائي ، وأحلت لنا الغنائم " . إسناده حسن ، وسيار صدوق . أخرجه أحمد في " مسنده " .

                                                                                      وقال سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضلت على الناس بأربع : بالشجاعة ، والسماحة ، وكثرة الجماع ، وشدة البطش " .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية