الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 453 ] باب

                                                                                      مرض النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                      قال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن عمر بن ربيعة ، عن عبيد مولى الحكم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنبهني رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فقال : " يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع " . فخرجت معه حتى أتينا البقيع ، فرفع يديه فاستغفر لهم طويلا ثم قال : " ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ، للآخرة شر من الأولى ، يا أبا مويهبة إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا ، والخلد فيها ، ثم الجنة ، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة " . فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا ، والخلد فيها ، ثم الجنة ، فقال : " والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة " . ثم انصرف ، فلما أصبح ابتدئ بوجعه الذي قبضه الله فيه " .

                                                                                      رواه إبراهيم بن سعد ، عن ابن إسحاق ، وعبيد بن جبير مولى الحكم بن أبي العاص .

                                                                                      وقال معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل ، فاخترت التعجيل " .

                                                                                      [ ص: 454 ] وقال الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " مرحبا بابنتي " ، فأجلسها عن يمينه أو شماله ، فسارها بشيء ، فبكت ، ثم سارها فضحكت ، فقلت لها : خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرار وتبكين ! فلما أن قام قلت لها : أخبريني بما سارك ؟ قالت : ما كنت لأفشي سره . فلما توفي قلت لها : أسألك بما لي عليك من الحق لما أخبرتيني . قالت : أما الآن فنعم ، سارني فقال : " إن جبريل عليه السلام كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة ، وإنه عارضني العام مرتين ، ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي ، فاتقي الله واصبري فنعم السلف أنا لك " . فبكيت ، ثم سارني فقال : " أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين - أو سيدة نساء هذه الأمة - " يعني فضحكت . متفق عليه .

                                                                                      وروى نحوه عروة ، عن عائشة ، وفيه أنها ضحكت لأنه أخبرها أنها أول أهله يتبعه . رواه مسلم .

                                                                                      وقال عباد بن العوام ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت ( إذا جاء نصر الله والفتح ( 1 ) ) [ النصر ] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال : " إنه قد نعيت إلي نفسي " . فبكت ثم ضحكت ، قالت : " أخبرني أنه نعي إليه نفسه ، فبكيت ، فقال لي : " اصبري فإنك أول أهلي لاحقا بي " ، فضحكت .

                                                                                      وقال سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد قال : قالت عائشة : وارأساه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك " . فقالت : واثكلاه والله إني لأظنك تحب [ ص: 455 ] موتي ، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك . فقال : " بل أنا وارأساه لقد هممت - أو أردت - أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ، ثم قلت : يأبى الله ويدفع المؤمنون ، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون " . رواه البخاري هكذا .

                                                                                      وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن عائشة ، قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي ، فقلت : وارأساه . فقال : " بل أنا والله وارأساه ، وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك ، وصليت عليك ، وواريتك " . فقلت : والله إني لأحسب أن لو كان ذلك ، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي في آخر النهار فأعرست بها . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تمادى به وجعه ، فاستعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة ، فاجتمع إليه أهله ، فقال العباس : إنا لنرى برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الجنب فهلموا فلنلده ، فلدوه . وأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " من فعل هذا " ؟ قالوا : عمك العباس ، تخوف أن يكون بك ذات الجنب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها من الشيطان ، وما كان الله تعالى ليسلطه علي ، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس ، فلد أهل البيت كلهم ، حتى ميمونة ، وإنها لصائمة يومئذ ، وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم استأذن نساءه أن يمرض في بيتي ، فخرج صلى الله عليه وسلم إلى بيتي ، وهو بين العباس وبين رجل آخر ، تخط قدماه الأرض إلى بيت عائشة . قال عبيد الله : فحدثت بهذا الحديث ابن عباس فقال : تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمه عائشة ؟ قلت : لا . قال : هو علي رضي الله عنه .

                                                                                      [ ص: 456 ] وقال البخاري : قال يونس ، عن ابن شهاب قال عروة : كانت عائشة تقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي توفي فيه : " يا عائشة لم أزل أجد ألم الأكلة التي أكلت بخيبر ، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم " .

                                                                                      وقال الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب : أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، أن عائشة قالت : لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به الوجع استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة ، فأذن له ، فخرج بين رجلين تخط رجلاه في الأرض ، قالت : لما أدخل بيتي اشتد وجعه فقال : " أهرقن علي من سبع قرب لم تخلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس " . فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم طفقنا نصب عليه ، حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن ، فخرج إلى الناس فصلى بهم ثم خطبهم . متفق عليه .

                                                                                      وقال سالم أبو النضر ، عن بسر بن سعيد ، وعبيد بن حنين ، عن أبي سعيد قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال : " إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله ، فاختار ما عند الله " . فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه ، فكان المخير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو بكر أعلمنا به ، فقال : " لا تبك يا أبا بكر ، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذته خليلا ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر " . متفق عليه .

                                                                                      وقال أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن أبي المعلى ، عن أبيه أحد الأنصار ، فذكر قريبا من حديث أبي سعيد الذي قبله .

                                                                                      [ ص: 457 ] وقال جرير بن حازم : سمعت يعلى بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " إنه ليس من الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من أبي بكر ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن خلة الإسلام أفضل ، سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر " . أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث : حدثني جندب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوفى بخمس يقول : " قد كان لي منكم إخوة وأصدقاء وإني أبرأ إلى كل خليل من خلته ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، وإن ربي اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ، وإن قوما ممن كانوا قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد ، فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك " . رواه مسلم .

                                                                                      مؤمل بن إسماعيل ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي قبض فيه أغمي عليه ، فلما أفاق قال : " ادعي لي أبا بكر فلأكتب له ، لا يطمع طامع في أمر أبي بكر ولا يتمنى متمن " ، ثم قال : " يأبى الله ذلك والمؤمنون " - ثلاثا - قالت : فأبى الله إلا أن يكون أبي .

                                                                                      قال أبو حاتم الرازي : حدثناه يسرة بن صفوان ، عن نافع ، عن ابن أبي مليكة مرسلا ، وهو أشبه .

                                                                                      وقال عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه ، [ ص: 458 ] فجلس على المنبر وأوصى بالأنصار ، فكان آخر مجلس جلسه . رواه البخاري . ودسماء : سوداء .

                                                                                      وقال ابن عيينة : سمعت سليمان يذكر عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى . قلت : يا أبا عباس : وما يوم الخميس ؟ قال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال : " ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا " . قال : فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا : ما شأنه ، أهجر ! استفهموه ، قال : فذهبوا يعيدون عليه ، قال : " دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه " . قال : وأوصاهم عند موته بثلاث فقال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، قال : وسكت عن الثالثة ، أو قالها فنسيتها . متفق عليه .

                                                                                      وقال الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي البيت رجال فيهم عمر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله . فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " قوموا " . فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم . متفق عليه .

                                                                                      وإنما أراد عمر رضي الله عنه التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين رآه [ ص: 459 ] شديد الوجع ، لعلمه أن الله قد أكمل ديننا ، ولو كان ذلك الكتاب واجبا لكتبه النبي صلى الله عليه وسلم لهم ، ولما أخل به .

                                                                                      وقال يونس ، عن الزهري ، عن حمزة بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قال : " مروا أبا بكر فليصل بالناس " . فقالت له عائشة : يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق ، إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء . فقال : " مروا أبا بكر فليصل بالناس " . فعاودته مثل مقالتها ، فقال : " أنتن صواحبات يوسف ، مروا أبا بكر فليصل بالناس " . أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن أمه أم الفضل قالت : خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه ، فصلى بنا المغرب ، فقرأ بالمرسلات ، فما صلى بعدها حتى لقي الله ، يعني فما صلى بعدها بالناس . وإسناده حسن .

                                                                                      ورواه عقيل ، عن الزهري ، ولفظه أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات ، ما صلى لنا بعدها . البخاري .

                                                                                      وقال موسى بن أبي عائشة ، عن عبيد الله بن عبد الله ، حدثتني عائشة ، قالت : ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أصلى الناس " ؟ فقلنا : لا ، هم ينتظرونك . قال : " ضعوا لي ماء في المخضب " . ففعلنا ، فاغتسل ، ثم ذهب لينوء ، فأغمي عليه ، ثم أفاق فقال : " أصلى الناس " ؟ فقلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله . فقال : " ضعوا لي ماء في المخضب . قالت : ففعلنا ، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق فقال : " أصلى الناس " ؟ فقلنا : لا ، وهم ينتظرونك ، والناس عكوف في المسجد [ ص: 460 ] ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء . قالت : فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر يصلي بالناس ، فأتاه الرسول بذلك ، فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا : يا عمر صل بالناس . فقال له عمر : أنت أحق بذلك مني . قالت : فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة ، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر ، وأبو بكر يصلي بالناس ، قالت : فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر ، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر ، وقال لهما : أجلساني إلى جنبه ، فأجلساه إلى جنب أبي بكر . فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد . قال عبيد الله : فعرضته على ابن عباس فما أنكر منه حرفا . متفق عليه .

                                                                                      وكذلك رواه الأسود بن يزيد ، وعروة ، أن أبا بكر علق صلاته بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      وكذلك روى الأرقم بن شرحبيل ، عن ابن عباس . وكذلك روى غيرهم .

                                                                                      وأما صلاته خلف أبي بكر فقال شعبة ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدا .

                                                                                      وروى شعبة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر .

                                                                                      وروى هشيم ، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير ، واللفظ لهشيم ، عن حميد ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس ، فجلس إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها ، فصلى بصلاته .

                                                                                      [ ص: 461 ] وروى سعيد بن أبي مريم ، عن يحيى بن أيوب قال : حدثني حميد الطويل ، عن ثابت ، حدثه عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد ، مخالفا بين طرفيه ، فلما أراد أن يقوم قال : " ادعوا لي أسامة بن زيد " ، فجاء ، فأسند ظهره إلى نحره ، فكانت آخر صلاة صلاها . وكذلك رواه سليمان بن بلال بزيادة ثابت البناني ، فيه .

                                                                                      وفي هذا دلالة على أن هذه الصلاة كانت الصبح ، فإنها آخر صلاة صلاها ، وهي التي دعا أسامة عند فراغه منها ، فأوصاه في مسيره بما ذكر أهل المغازي . وهذه الصلاة غير تلك الصلاة التي ائتم فيها أبو بكر به ، وتلك كانت صلاة الظهر من يوم السبت أو يوم الأحد . وعلى هذا يجمع بين الأحاديث ، وقد استوفاها الحافظ الإمام الحبر أبو بكر البيهقي رحمه الله .

                                                                                      وقال موسى بن عقبة : اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم في صفر ، فوعك أشد الوعك ; واجتمع إليه نساؤه يمرضنه أياما ، وهو في ذلك ينحاز إلى الصلوات حتى غلب ، فجاءه المؤذن فآذنه بالصلاة ، فنهض ، فلم يستطع من الضعف ، فقال للمؤذن : اذهب إلى أبي بكر فمره فليصل " . فقالت عائشة : إن أبا بكر رجل رقيق ، وإنه إن قام مقامك بكى ، فأمر عمر فليصل بالناس . فقال : مروا أبا بكر ، فأعادت عليه ، فقال : إنكن صواحب يوسف . فلم يزل أبو بكر يصلي بالناس حتى كان ليلة الاثنين من ربيع الأول ، فأقلع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوعك وأصبح مفيقا ، فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل وغلام له يدعى نوبا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقد سجد الناس مع أبي بكر من صلاة الصبح ، وهو قائم في الأخرى ، فتخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف يفرجون له ، حتى قام إلى جنب أبي بكر فاستأخر أبو بكر ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه فقدمه في [ ص: 462 ] مصلاه فصفا جميعا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، وأبو بكر قائم يقرأ ، فلما قضى قراءته قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع معه الركعة الآخرة ، ثم جلس أبو بكر يتشهد والناس معه ، فلما سلم أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الآخرة ، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد ، والمسجد يومئذ سقفه من جريد وخوص ، ليس على السقف كبير طين ، إذا كان المطر امتلأ المسجد طينا ، إنما هو كهيئة العريش ، وكان أسامة قد تجهز للغزو .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية