الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3958 [ ص: 335 ] 37 - باب: غزوة ذي قرد

                                                                                                                                                                                                                              وهي الغزوة التي أغاروا على لقاح النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل خيبر بثلاث.

                                                                                                                                                                                                                              4194 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم، عن يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة بن الأكوع يقول: خرجت قبل أن يؤذن بالأولى، وكانت لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترعى بذي قرد قال: فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف، فقال: أخذت لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: من أخذها قال: غطفان. قال فصرخت ثلاث صرخات: يا صباحاه قال: فأسمعت ما بين لابتي المدينة، ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم وقد أخذوا يستقون من الماء، فجعلت أرميهم بنبلي، وكنت راميا، وأقول:


                                                                                                                                                                                                                              أنا ابن الأكوع اليوم يوم الرضع



                                                                                                                                                                                                                              وأرتجز حتى استنقذت اللقاح منهم، واستلبت منهم ثلاثين بردة. قال: وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس، فقلت: يا نبي الله، قد حميت القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة. فقال: " يا ابن الأكوع ملكت فأسجح". قال: ثم رجعنا، ويردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقته حتى دخلنا المدينة.
                                                                                                                                                                                                                              [انظر: 3041- مسلم: 1806 - فتح: 7 \ 460]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              (قرد) بفتح القاف والراء، كذا صوبه الداودي، وقال الحازمي: إنه الذي يقوله أهل الحديث. وحكى السهيلي عن أبي علي الضم فيهما ، وربما وجد مضبوطا بضم القاف وفتح الراء.

                                                                                                                                                                                                                              والقرد في اللغة: الصوف الرديء خاصة. قال ابن سيده: وقيل: هو ما يسقط من الوبر والصوف ، وهو ماء في شعب يقال له: ذو قرد،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 336 ] على مسيرة ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر على طريق الشام. وعبارة القزاز وغيره: هي موضع، وتسمى غزوة الغابة، وكانت في ربيع الأول سنة ست كما قاله ابن سعد . وادعى القرطبي أنها في جمادى الأولى . واللقاح واللقح واحدها: لقحة بكسر اللام، وهي الناقة لها لبن.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن السكيت: واحدتها لقوح ولقحة. وقيل: لقحة ولقحة، والجمع: لقح ولقح.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (قبل خيبر بثلاث) مما غلط فيه، وأنه قبلها بسنة، فإنها في جمادى الآخرة سنة سبع -أعني: خيبر- نعم في مسلم من حديث سلمة بن الأكوع لما ذكر غزوة ذي قرد: فما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر . لكن أهل السير على خلافه. وادعى القرطبي أن بعدها بني المصطلق في شعبان، ثم عمرة الحديبية في ذي القعدة، ثم رجع إلى المدينة فأقام بها ذا الحجة وبعض المحرم، وخرج في بقيته إلى خيبر، قال: كما صرح به أبو عمر وغيره ولا يكادون يختلفون في ذلك، ونسب ما وقع في الحديث إلى وهم بعض الرواة، ويحتمل أن يكون أغزى سرية فيهم سلمة إلى خيبر قبل فتحها، فأخبر سلمة عن نفسه، و (عمن) خرج معه يبين ذلك أن ابن إسحاق ذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرتين .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 337 ] وروى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق أن غزوة بني لحيان كانت في شعبان سنة ست وأنه - عليه السلام - لما رجع منها إلى المدينة لم يقم بها إلا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أربعين فارسا قبل قصة عيينة لستة أشهر. ولما ذكر الحاكم غزوة ذي قرد قال: هذه الغزوة الثالثة لذي قرد، فإن الأولى سرية زيد بن حارثة في جمادى الآخرة على رأس ثمانية وعشرين شهرا من الهجرة، والثانية خرج فيها بنفسه إلى بني فزارة، وهي على رأس تسعة وأربعين شهرا من الهجرة، وهذه الثالثة كانت في سنة ست. وعند ابن سعد: كانت لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغابة عشرين لقحة، وكان أبو ذر فيها، وأغار عليهم عبد الرحمن بن عيينة . وعند البلاذري كان المغير يومئذ عبد الله بن عيينة بن حصن. قال الواقدي: والثبت عندنا أنه - صلى الله عليه وسلم - أقر على هذه السرية سعيد بن زيد الأشهلي، وكان المسلمون خمسمائة، ويقال: سبعمائة .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر البخاري حديث سلمة بن الأكوع قال: خرجت قبل أن يؤذن بالأولى، وكان لقاح النبي - صلى الله عليه وسلم - ترعى بذي قرد .. الحديث بطوله.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الجهاد في باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه.

                                                                                                                                                                                                                              يذكر القصة بطولها . وزاد هنا: ثم رجعنا ويردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقته حتى دخلنا المدينة. ولما ذكر ابن التين مقالة البخاري السالفة قال: ذكر الشيخ أبو محمد أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج في طلب اللقاح في شعبان من السنة الثانية حتى بلغ ينبع فرجع باللقاح، ثم قال: وهذا اختلاف، ولم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 338 ] يرد على ذلك وهو عجيب منه. ورضع جمع راضع، كراكع وركع. وغطفان: قبيلة من العرب. والصراخ: رفع الصوت.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (اليوم يوم الرضع) وجاء في غير هذا الموضع: خذها وأنا ابن الأكوع . وهي كلمة يقولها الرامي عندما تصيب رميته فرحا. وكان ابن عمر إذا رمى وأصاب يقول: خذها وأنا أبو عبد الرحمن. ويقول: أنا بها، أنا بها.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              اسم الأكوع: سنان، قال السهيلي: قيل: هو الذي كلمه الذئب. وقيل: هو أهبان بن صيفي كما سلف.

                                                                                                                                                                                                                              أخرى: ذكر ابن سعد أنه نودي: يا خيل الله اركبي، وأنه أول ما نودي بها ، لكن روى ابن عائذ من طريق قتادة النداء بذلك في بني قريظة ، وهي قبل هذه.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثة: صلى - صلى الله عليه وسلم - بذي قرد صلاة الخوف أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ذكر ابن سعد أن سرية سعيد بن زيد إلى العرنيين في شوال سنة ست .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية