الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان ما أحدثه ملوك الشراكسة

من البدع في الكعبة المشرفة

بل أضرب لك مثلا آخر، هذا حرم الله، الذي هو أفضل بقاع الدنيا بالاتفاق وإجماع العلماء، أحدث فيه بعض ملوك الشراكسة الجهلة الضلال، هذه المقامات الأربعة التي وقتت لعبادات العباد، اشتملت على ما لا يحصيه [ ص: 532 ] إلا الله من الفساد، وفرقت عبادات المسلمين، وصيرتهم كالملل المتخالفة الدين، بدعة قرت بها عين إبليس اللعين، وصيرت المسلمين ضحكة للشياطين، وقد سكت الناس عليها، ووفد علماء الآفاق والأبدال والأقطاب إليها، وشاهدها كل ذي عينين، وسمع بها كل ذي أذنين. أفهذا السكوت دليل على جوازها؟ هذا لا يقوله إلا من ليس له إلمام بشيء من المعارف، وكذلك سكوتهم على هذه الأفعال الصادرة من القبوريين.

فإن قلت: يلزم من هذا أن الأمة قد اجتمعت على ضلالة، حيث سكتت عن إنكارها لأعظم جهالة. قلت: الإجماع حقيقته: اتفاق مجتهدي أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- على أمر بعد عصره، وفقهاء المذاهب الأربعة يحيلون الاجتهاد من بعد الأئمة الأربعة، وإن كان هذا قولا باطلا، وكلاما لا يقوله إلا من كان للحقائق جاهلا. فعلى زعمهم لا إجماع أبدا من بعد الأربعة الأئمة، فلا يرد السؤال. وهذا الابتداع والفتنة بالقبور لم يكن على عهد أئمة المذاهب، فالإجماع وقوعه محال. فإن الأمة المحمدية قد ملأت الآفاق، وصارت في كل أرض وتحت كل نجم. فعلماؤها المحققون لا ينحصرون، ولا يتم لأحد معرفة أحوالهم. فمن ادعى الإجماع بعد انتشار الدين، وكثرة علماء المسلمين، فإنها دعوى كاذبة، كما قاله أئمة التحقيق. ثم لو فرض أنهم أعلموا بالمنكر وما أنكروه، بل سكتوا عن إنكاره، لما دل سكوتهم على جوازه.

التالي السابق


الخدمات العلمية