الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث فيه كرامة لولي من هذه الأمة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهي معدودة من المعجزات; لأن كل ما يثبت لولي فهو معجزة لنبيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن بن عرفة : ثنا عبد الله بن إدريس ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي سبرة النخعي قال : أقبل رجل من اليمن ، فلما كان ببعض الطريق نفق حماره ، فقام فتوضأ ، ثم صلى ركعتين ، ثم قال : اللهم إني جئت من الدثينة مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك ، وأنا أشهد أنك تحيي [ ص: 49 ] الموتي وتبعث من في القبور ، لا تجعل لأحد علي اليوم منة ، أطلب إليك اليوم أن تبعث حماري . فقام الحمار ينفض أذنيه قال البيهقي : هذا إسناد صحيح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومثل هذا يكون كرامة لصاحب الشريعة . قال البيهقي : وكذلك رواه محمد بن يحيى الذهلي وغيره ، عن محمد بن عبيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي وكأنه عند إسماعيل . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب " من عاش بعد الموت " : حدثنا إسحاق بن إسماعيل وأحمد بن بجير وغيرهما قالوا : ثنا محمد بن عبيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، أن قوما أقبلوا من اليمن متطوعين في سبيل الله ، فنفق حمار رجل منهم ، فأرادوه أن ينطلق معهم فأبى ، فقام فتوضأ وصلى ، ثم قال : اللهم إني جئت من الدثينة مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك ، وإني أشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور ، فلا تجعل لأحد علي منة ، فإني أطلب إليك أن تبعث لي حماري ، ثم قام إلى الحمار فضربه فقام الحمار ينفض أذنيه ، فأسرجه وألجمه ، ثم ركبه وأجراه فلحق بأصحابه ، فقالوا له : ما شأنك؟ قال : شأني أن الله بعث حماري قال الشعبي : فأنا رأيت الحمار بيع أو يباع في الكناسة . يعني بالكوفة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن أبي الدنيا : وأخبرني العباس بن هشام ، عن أبيه ، عن جده ، عن [ ص: 50 ] مسلم بن عبد الله بن شريك النخعي ، أن صاحب الحمار رجل من النخع ، يقال له : نباتة بن يزيد . خرج في زمن عمر غازيا ، حتى إذا كان بشن عميرة نفق حماره ، فذكر القصة ، غيرأنه قال : فباعه بعد الكناسة ، فقيل له : تبيع حمارك وقد أحياه الله لك؟! قال : فكيف أصنع؟ وقد قال رجل من رهطه ثلاثة أبيات فحفظت هذا البيت :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومنا الذي أحيا الإله حماره وقد مات منه كل عضو ومفصل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكرنا في باب رضاعه ، عليه السلام ما كان من حمارة حليمة السعدية ، وكيف كانت تسبق الركب في رجوعها لما ركب معها عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو رضيع ، وقد كانت أذمت بالركب في مسيرهم إلى مكة وكذلك ظهرت بركته عليهم في شارفهم - وهي الناقة التي كانوا يحلبونها - وشياههم وسمنها وكثرة ألبانها ، صلوات الله وسلامه عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية