الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 94 ] القاعدة الثانية

ينقسم باعتبار عطف الاسم على مثله ، والفعل على الفعل إلى أقسام :

الأول : عطف الاسم على الاسم ، وشرط ابن عمرون وصاحبه ابن مالك فيه أن يصح أن يسند أحدهما إلى ما أسند إلى الآخر ولهذا منع أن يكون ( وزوجك ) في ( اسكن أنت وزوجك ) ( البقرة : 35 ) ، ( الأعراف : 19 ) معطوفا على الضمير المستكن في " اسكن " ، وجعله من عطف الجمل بمعنى أنه مرفوع بفعل محذوف ، أي ولتسكن زوجك .

ونظيره قوله تعالى : ( لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ) ( طه : 58 ) لأن من حق المعطوف حلوله محل المعطوف عليه ، ولا يصح حلول زوجك محل الضمير ، لأن فاعل فعل الأمر الواحد المذكر ، نحو : " قم " لا يكون إلا ضميرا مستترا ، فكيف يصح وقوع الظاهر موقع المضمر الذي قبله ! ورد عليه الشيخ أثير الدين أبو حيان ، بأنه لا خلاف في صحة " تقوم هند وزيد " ، ولا يصح مباشرة زيد لـ ( تقوم ) لتأنيثه .

( الثاني ) عطف الفعل على الفعل ، قال ابن عمرون وغيره : يشترط فيه اتفاق زمانهما ، فإن خالف رد إلى الاتفاق بالتأويل ، لا سيما إذا كان لا يلبس ، وكانت مغايرة الصيغ اتساعا ، قال الله تعالى : ( والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة ) ( الأعراف : 170 ) فعطف الماضي على المضارع ، لأنها من صلة الذين ، وهو يضارع الشرط لإيهامه ، والماضي في الشرط في حكم المستقبل ، فقد تغايرت الصيغ في هذا كما ترى ، واللبس مأمون ، ولا نظر في الجمل إلى اتفاق المعاني لأن كل جملة مستقلة بنفسها . انتهى .

[ ص: 95 ] ومثله قوله تعالى : ( إن شاء جعل لك خيرا من ذلك ) ( الفرقان : 10 ) ثم قال ( ويجعل لك قصورا ) ( الفرقان : 10 ) .

وقوله : ( ويوم نسير الجبال ) ( الكهف : 47 ) ثم قال : ( وحشرناهم ) .

وقال صاحب " المستوفى " : لا يتمشى عطف الفعل على الفعل إلا في المضارع ، منصوبا كان ، كقوله تعالى : ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) ( المدثر : 31 ) أو مجزوما كقوله : ( يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى ) ( نوح : 4 ) .

فإن قيل : كيف حكمتم بأن العاطف مختص بالمضارع ، وهم يقولون : قام زيد ، وقعد بكر ، وعلى هذا قوله تعالى : ( إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ) ( الكهف : 10 ) فيه عطف الماضي على الماضي ، وعطف الدعاء على الدعاء .

( فالجواب ) أن المراد بالعطف هنا أن تكون لفظتان تتبع الثانية منهما الأولى في إعرابها ، وإذا كانت اللفظة غير معربة ، فكيف يصح فيها التبعية ؟ فصح أن هذه الألفاظ لا يصح أن يقال : إنها معطوفة على ما قبلها العطف الذي نقصده الآن .

وإن صح أن يقال : معطوفة العطف الذي ليس للإتباع ، بل يكون عطف الجملة على الجملة من حيث هما جملتان ، والجملة من حيث هي لا مدخل لها في الإعراب إلا أن تحل محل الفرد ، وظهر أنه يصح وقوع العطف عليه ، وعدمه باعتبارين .

( الثالث ) عطف الفعل على الاسم ، والاسم على الفعل ، وقد اختلف فيه ، فمنهم من منعه ، والصحيح الجواز إذا كان مقدرا بالفعل كقوله تعالى : ( صافات ويقبضن ) ( الملك : 19 ) وقوله : ( إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله ) ( الحديد : 18 ) . واحتج الزمخشري بهذا على أن اسم الفاعل حمله على معنى المصدقين الذين تصدقوا .

[ ص: 96 ] قال ابن عمرون : ويدل لعطف الاسمية على الفعلية قوله تعالى : ( فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا ) ( مريم : 37 ) فعطف ( فويل للذين كفروا ) ( مريم : 37 ) وهي جملة اسمية على ( فاختلف ) وهي فعلية بالفاء . وقال تعالى : ( وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) ( التوبة : 87 ) . وقال تعالى : ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية فأما من أوتي كتابه بيمينه ) ( الحاقة : 18 - 19 ) .

قال : وإذا جاز عطف الاسمية على الفعلية بـ ( أم ) في قوله تعالى : ( سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ) ( الأعراف : 193 ) إذ الموضع للمعادلة ، وقيل : إنه أوقع الاسمية موقع الفعلية ، نظرا إلى المعنى : أصمتم فما المانع هنا ؟

وجعل ابن مالك قوله تعالى : ( ومخرج الميت من الحي ) ( الأنعام : 95 ) عطفا على ( يخرج ) لأن الاسم في تأويل الفعل .

والتحقيق ما قاله الزمخشري : إنه عطف على ( فالق الحب والنوى ) ( الأنعام : 95 ) ليتناسب المتعاطفان ، وفي الأول يخالف ذلك والأصل عدمه ، وأيضا قوله : ( يخرج الحي ) تفسير لـ ( فالق الحب والنوى ) فلا يصح أن يكون عطفا على ( يخرج ) لأنه ليس تفسيرا لقوله : ( فالق الحب ) فيعطف على تفسيره ، بل هو قسيم له .

التالي السابق


الخدمات العلمية