الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قصة أخرى مع قصة العلاء بن الحضرمي :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني خالد بن خداش بن عجلان المهلبي وإسماعيل بن إبراهيم بن بسام قالا : ثنا صالح المري ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال : عدنا شابا [ ص: 51 ] من الأنصار ، فما كان بأسرع من أن مات فأغمضناه ، ومددنا عليه الثوب ، وقال بعضنا لأمه : احتسبيه . قالت : وقد مات؟! قلنا : نعم . قالت : أحق ما تقولون؟ قلنا : نعم . فمدت يديها إلى السماء ، وقالت : اللهم إني آمنت بك ، وهاجرت إلى رسولك صلى الله عليه وسلم ، فإذا نزلت بي شدة دعوتك ففرجتها ، فأسألك اللهم ألا تحمل علي هذه المصيبة . قال : فكشف الثوب عن وجهه ، فما برحنا حتى أكلنا وأكل معنا وقد رواه البيهقي ، عن أبي سعيد الماليني ، عن ابن عدي ، عن محمد بن طاهر بن أبي الدميك ، عن عبيد الله بن عائشة ، عن صالح بن بشير المري ، أحد زهاد البصرة وعبادها مع لين في حديثه ، عن ثابت ، عن أنس ، فذكر القصة ، وفيه أن أم السائب كانت عجوزا عمياء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي : وقد روى من وجه آخر مرسل . يعني فيه انقطاع بين ابن عون وأنس بن مالك ، ثم ساقه من طريق عيسى بن يونس ، عن عبد الله بن عون ، عن أنس قال : أدركت في هذه الأمة ثلاثا لو كانت في بني إسرائيل لما تقاسمها الأمم . قلنا ما هي يا أبا حمزة؟ قال : كنا في الصفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ ، فأضاف المرأة إلىالنساء وأضاف [ ص: 52 ] ابنها إلينا ، فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياما ثم قبض ، فغمضه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمر بجهازه ، فلما أردنا أن نغسله قال : " يا أنس ، ائت أمه فأعلمها " . فأعلمتها . قال : فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما ، ثم قالت : اللهم إني أسلمت لك طوعا ، وخلعت الأوثان زهدا ، وهاجرت لك رغبة ، اللهم لا تشمت بي عبدة الأوثان ، ولا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحملها . قال : فوالله ما انقضى كلامها حتى حرك قدميه ، وألقى الثوب عن وجهه ، وعاش حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحتى هلكت أمه . قال : ثم جهز عمر بن الخطاب جيشا ، واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أنس : وكنت في غزاته ، فأتينا مغازينا ، فوجدنا القوم قد نذروا بنا فعفوا آثار الماء ، والحر شديد ، فجهدنا العطش ودوابنا ، وذلك يوم الجمعة ، فلما مالت الشمس لغربها صلى بنا ركعتين ، ثم مد يده إلى السماء ، وما نرى في السماء شيئا . قال : فوالله ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب ، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا ، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة ، فوقف على الخليج وقال : يا علي ، يا عظيم ، يا حليم ، يا كريم . ثم قال : أجيزوا بسم الله . قال : فأجزنا ، ما يبل الماء حوافر دوابنا ، فلم نلبث إلا يسيرا ، فأصبنا العدو غيلة ، فقتلنا وأسرنا وسبينا ، ثم أتينا الخليج ، فقال مثل مقالته ، فأجزنا ، ما يبل الماء حوافر دوابنا . قال : فلم [ ص: 53 ] نلبث إلا يسيرا حتى رمي في جنازته . قال : فحفرنا له وغسلناه ودفناه ، فأتى رجل بعد فراغنا من دفنه فقال : من هذا؟ فقلنا : هذا خير البشر ، هذا ابن الحضرمي . فقال : إن هذه الأرض تلفظ الموتى ، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين ، إلى أرض تقبل الموتى . فقلنا : ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله؟ قال : فاجتمعنا على نبشه ، فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه ، وإذا اللحد مد البصر نور يتلألأ . قال : فأعدنا التراب إلى اللحد ثم ارتحلنا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي ، رحمه الله : وقد روي عن أبي هريرة في قصة العلاء بن الحضرمي في استسقائه ومشيهم على الماء دون قصة الموت بنحو من هذا . وذكر البخاري في " التاريخ " لهذه القصة إسنادا آخر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد أسنده ابن أبي الدنيا ، عن أبي كريب ، عن محمد بن فضيل ، عن الصلت بن مطر العجلي ، عن عبد الملك بن أخت سهم ، عن سهم بن منجاب قال : غزونا مع العلاء بن الحضرمي فذكره . وقال في الدعاء : يا عليم ، يا حليم ، يا علي ، يا عظيم ، إنا عبيدك ، وفي سبيلك نقاتل عدوك ، اسقنا غيثا نشرب منه ونتوضأ ، فإذا تركناه فلا تجعل لأحد فيه نصيبا غيرنا . وقال في البحر : اجعل لنا سبيلا إلى عدوك . وقال في الموت : أخف جثتي ولا تطلع على عورتي أحدا . فلم يقدر عليه والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 54 ] قصة أخرى :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي : أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا إسماعيل الصفار ، ثنا الحسن بن علي بن عفان ، ثنا ابن نمير عن الأعمش ، عن بعض أصحابه قال : انتهينا إلى دجلة وهي مادة ، والأعاجم خلفها ، فقال رجل من المسلمين : بسم الله . ثم اقتحم بفرسه ، فارتفع على الماء . فقال الناس : بسم الله . ثم اقتحموا فارتفعوا على الماء ، فنظر إليهم الأعاجم ، وقالوا : ديوان ديوان . ثم ذهبوا على وجوههم . قال : فما فقد الناس إلا قدحا كان معلقا بعذبة سرج ، فلما خرجوا أصابوا الغنائم ، فاقتسموها ، فجعل الرجل يقول : من يبادل صفراء ببيضاء

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قصة أخرى :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي : أنا أبو عبد الرحمن السلمي ، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد السمذي ، ثنا أبو العباس السراج ، ثنا الفضل بن سهل وهارون بن عبد الله قالا : ثنا أبو النضر : ثنا سليمان بن المغيرة ، أن أبا مسلم الخولاني جاء إلى الدجلة وهي ترمي الخشب من مدها ، فمشى على الماء ، والتفت إلى أصحابه وقال : هل تفقدون من متاعكم شيئا فندعو الله ، عز وجل؟ قال البيهقي : هذا إسناد صحيح . قلت : وستأتي قصة أبي مسلم الخولاني - [ ص: 55 ] واسمه عبد الله بن ثوب - مع الأسود العنسي حين ألقاه في النار ، فكانت عليه بردا وسلاما ، كما كانت على الخليل إبراهيم ، عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية