الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
القاعدة الثالثة .

ينقسم باعتبار المعطوف إلى أقسام : عطف على اللفظ ، وعطف على الموضع ، وعطف على التوهم .

فالأول : أن يكون باعتبار عمل موجود في المعطوف عليه ، فهو العطف على اللفظ ، نحو : ليس زيد بقائم ولا ذاهب ، وهو الأصل .

[ ص: 97 ] والثاني : أن يكون باعتبار عمل لم يوجد في المعطوف ، إلا أنه مقدر في الوجود لوجود طالبه ، فهو العطف على الموضع ، نحو : ليس زيد بقائم ولا ذاهبا ، بنصب " ذاهبا " عطفا على موضع قائم لأنه خبر ليس .

ومن أمثلته قوله تعالى : ( وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ) ( هود : 60 ) بأن يكون " يوم القيامة " معطوفا على محل " هذه " ، ذكره الفارسي

وقوله : ( من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ) ( الأعراف : 186 ) في قراءة الجزم إنه بالعطف على محل ( فلا هادي له ) .

وجعل الزمخشري وأبو البقاء منه قوله تعالى : ( لينذر الذين ظلموا وبشرى ) ( الأحقاف : 12 ) إن بشرى في محل نصب بالعطف على محل " لينذر " لأنه مفعول له .

وغلطا في ذلك ، لأن شرطه في ذلك أن يكون الموضع بحق الأصالة ، والمحل ليس هنا كذلك ، لأن الأصل هو الجر في المفعول له ، وإنما النصب ناشئ عن إسقاط الخافض .

وجوز الزمخشري أيضا في قوله تعالى : ( وجعل الليل سكنا والشمس ) ( الأنعام : 96 ) كون الشمس معطوفا على محل الليل .

والثالث : أن يكون باعتبار عمل لم يوجد هو ولا طالبه ، هو العطف على التوهم ، [ ص: 98 ] نحو : ليس زيد قائما ولا ذاهب ، بجر ذاهب ، وهو معطوف على خبر ليس المنصوب باعتبار جره بالباء لو دخلت عليه ، فالجر على مفقود وعامله ، وهو الباء مفقود أيضا ، إلا أنه متوهم الوجود لكثرة دخوله في خبر ليس ، فلما توهم وجوده صح اعتبار مثله ، وهذا قليل في كلامهم .

وقيل : إنه لم يجئ إلا في الشعر ، ولكن جوزه الخليل وسيبويه في القرآن ، وعليه خرجا قوله تعالى : ( فأصدق وأكن من الصالحين ) ( المنافقون : 10 ) كأنه قيل : " أصدق وأكن " . وقيل : هو من العطف على الموضع ; أي محل " أصدق " .

والتحقيق قول سيبويه : هو على توهم أن الفاء لم ينطق بها ، واعلم أن بعضهم قد شنع القول بهذا في القرآن على النحويين ، وقال : كيف يجوز التوهم في القرآن ؟ ! وهذا جهل منه بمرادهم ، فإنه ليس المراد بالتوهم الغلط ، بل تنزيل الموجود منه منزلة المعدوم ، كالفاء في قوله تعالى : ( فأصدق ) ليبنى على ذلك ما يقصد من الإعراب

وجعل منه الزمخشري قوله تعالى : ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) ( هود : 71 ) في من فتح الباء ، كأنه قيل : " ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " على طريقة :

. . . ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب . . . . . . . . . . . . .

[ ص: 99 ] وقد يجيء قسم آخر ، وهو العطف على المعنى كقوله تعالى : ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) ( البقرة : 258 ) ثم قال : ( أو كالذي ) ( البقرة : 259 ) عطف المجرور بالكاف على المجرور بـ ( إلى ) حملا على المعنى لأن قوله : " إلى الذي " في معنى أرأيت كالذي .

وقال بعضهم في قوله تعالى : ( وحفظا من كل شيطان ) ( الصافات : 7 ) أنه عطف على معنى : ( إنا زينا السماء الدنيا ) ( الصافات : 6 ) وهو : إنا خلقنا الكواكب في السماء الدنيا زينة للسماء الدنيا . وفي قوله تعالى : ( لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى ) ( غافر : 36 - 37 ) على قراءة النصب إنه عطف معنى ( لعلي أبلغ ) وهو " لعلي أن أبلغ " ، فإن خبر لعل يقترن بـ ( أن ) كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية