الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قصة زيد بن خارجة ، وكلامه بعد الموت

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وشهادته بالرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبالخلافة لأبي بكر الصديق ثم لعمر ثم لعثمان رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري ، أنا جدي يحيى بن منصور القاضي ، ثنا أبو علي محمد بن عمرو كشمرد ، أنا القعنبي ، أنا سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب أن زيد بن خارجة الأنصاري ثم من بني الحارث بن الخزرج ، توفي زمن عثمان بن عفان فسجي بثوبه ، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره ، ثم تكلم ، ثم قال : أحمد أحمد في الكتاب الأول ، صدق صدق أبو بكر الصديق ، الضعيف في نفسه ، القوي في أمر الله ، في الكتاب الأول ، صدق صدق عمر بن الخطاب القوي الأمين ، في الكتاب الأول ، صدق صدق عثمان بن عفان ، على منهاجهم ، مضت أربع وبقيت ثنتان ، أتت الفتن ، وأكل الشديد الضعيف ، وقامت الساعة ، وسيأتيكم عن جيشكم خبر بئر أريس ، وما بئر أريس؟ قال يحيى : قال سعيد : ثم هلك رجل من بني خطمة فسجي بثوبه ، فسمع جلجلة في صدره ، ثم تكلم فقال : إن أخا بني الحارث بن الخزرج صدق صدق ثم [ ص: 56 ] رواه البيهقي ، عن الحاكم ، عن أبي بكر بن إسحاق ، عن موسى بن الحسن ، عن القعنبي ، فذكره ، وقال : هذا إسناد صحيح وله شواهد . ثم ساقه من طريق أبي بكر عبد الله بن أبي الدنيا في كتاب " من عاش بعد الموت " : حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس ، ثنا عبد الله بن إدريس ، عن إسماعيل بن أبي خالد قال : جاء يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير - يعني إلى أمه - : بسم الله الرحمن الرحيم ، من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، فإنك كتبت إلي لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة ، وإنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه - وهو يومئذ من أصح الناس أو أهل المدينة - فتوفي بين صلاة الأولى وصلاة العصر فأضجعناه لظهره ، وغشيناه ببردين وكساء ، فأتاني آت في مقامي وأنا أسبح بعد المغرب ، فقال : إن زيدا قد تكلم بعد وفاته ، فانصرفت إليه مسرعا ، وقد حضره قوم من الأنصار ، وهو يقول أو يقال على لسانه : الأوسط أجلد الثلاثة ، الذي كان لا يبالي في الله لومة لائم ، كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم ، عبد الله أمير المؤمنين‏ ، صدق صدق ، كان ذلك في الكتاب الأول . ثم قال : عثمان أمير المؤمنين ، وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة ، خلت اثنتان وبقي أربع ، ثم اختلف الناس وأكل بعضهم بعضا ، فلا نظام وأبيحت الأحماء ، ثم ارعوى المؤمنون وقالوا : [ ص: 57 ] كتاب الله وقدره . أيها الناس ، أقبلوا على أميركم واسمعوا وأطيعوا ، فمن تولى فلا يعهدن دما ، وكان أمر الله قدرا مقدورا ، الله أكبر ، هذه الجنة وهذه النار ، ويقول النبيون والصديقون : سلام عليكم . يا عبد الله بن رواحة ، هل أحسست لي خارجة - لأبيه - وسعدا اللذين قتلا يوم أحد؟ كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى . ثم خفت صوته ، فسألت الرهط عما سبقني من كلامه ، فقالوا : سمعناه يقول : أنصتوا أنصتوا . فنظر بعضنا إلى بعض ، فإذا الصوت من تحت الثياب . قال : فكشفنا عن وجهه فقال : هذا أحمد رسول الله ، سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته . ثم قال : أبو بكر الصديق الأمين ، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان ضعيفا في جسمه ، قويا في أمر الله ، صدق صدق ، وكان في الكتاب الأول ثم رواه الحافظ البيهقي ، عن أبي نصر بن قتادة ، عن أبي عمرو بن نجيد ، عن علي بن الحسين بن الجنيد ، عن المعافى بن سليمان ، عن زهير بن معاوية ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، فذكره وقال : هذا إسناد صحيح . قال البيهقي : وروي ذلك عن حبيب بن سالم ، عن النعمان بن بشير ، وذكر بئر أريس ، كما ذكرنا في رواية ابن المسيب . قال البيهقي : والأمر فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما فكان في يده ، ثم كان في يد أبي بكر من بعده ، ثم كان في يد عمر ، ثم كان في يد عثمان حتى وقع منه في بئر أريس بعد ما مضى من خلافته [ ص: 58 ] ست سنين ، فعند ذلك تغيرت عماله ، وظهرت أسباب الفتن ، كما قيل على لسان زيد بن خارجة . قلت : وهي المرادة من قوله : مضت اثنتان وبقي أربع . أو : مضت أربع وبقي اثنتان . على اختلاف الرواية والله أعلم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال البخاري في " التاريخ " : زيد بن خارجة الخزرجي الأنصاري شهد بدرا ، توفي زمن عثمان ، وهو الذي تكلم بعد الموت . قال البيهقي : وقد روى في التكلم بعد الموت عن جماعة بأسانيد صحيحة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن أبي الدنيا : ثنا خلف بن هشام البزار ، ثنا خالد الطحان ، عن حصين ، عن عبد الله بن عبيد الأنصاري أن رجلا من قتلى مسيلمة تكلم فقال : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو بكر الصديق ، عثمان اللين الرحيم . قال : ولا أدري أيش قال في عمر كذا رواه ابن أبي الدنيا في كتابه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال الحافظ البيهقي : أنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا يحيى بن أبي طالب ، أنا علي بن عاصم ، أنا حصين بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عبيد الأنصاري قال : بينما هم يثورون القتلى يوم صفين أو يوم الجمل ، إذ تكلم رجل من الأنصار من القتلى ، فقال : محمد [ ص: 59 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو بكر الصديق ، عمر الشهيد ، عثمان الرحيم ثم سكت .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال هشام بن عمار في كتاب " المبعث " :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية