الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          وأما العسل : فإن مالكا والشافعي وأبا سليمان ، وأصحابهم : لم يروا فيه زكاة . وقال أبو حنيفة : إن كان النحل في أرض العشر ففيه الزكاة ، وهو عشر ما أصيب منه - قل أو كثر - وإن كان في أرض خراج فلا زكاة فيه - قل أو كثر .

                                                                                                                                                                                          ورأى في المواشي الزكاة ، سواء كانت في أرض عشر أو في أرض خراج .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو يوسف : إذ بلغ العسل عشرة أرطال ففيه رطل واحد ; وهكذا ما زاد ففيه العشر ، والرطل هو الفلفلي .

                                                                                                                                                                                          وقال محمد بن الحسن : إذا بلغ العسل خمسة أفراق ففيه العشر ، وإلا فلا - والفرق : ستة وثلاثون رطلا فلفلية ، والخمسة الأفراق : مائة رطل وثمانون رطلا فلفلية ; قال : والسكر كذلك .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما مناقضة أبي حنيفة وإيجابه الزكاة في العسل ولو أنه قطرة إذا لم يكن في أرض الخراج فظاهرة لا خفاء بها .

                                                                                                                                                                                          وأما تحديد صاحبيه ففي غاية الفساد والخبط والتخليط . وهو إلى الهزل أقرب منه إلى الجد . لكن في العسل خلاف قديم - : كما روينا من طريق عطاء الخراساني أن عمر بن الخطاب قال لأهل اليمن في العسل : إن عليكم في كل عشرة أفراق فرقا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الحارث بن عبد الرحمن عن منير بن عبد الله عن أبيه عن سعد بن أبي ذباب وكانت له صحبة أنه أخذ عشر العسل من قومه وأتى به عمر ; فجعله عمر في صدقات المسلمين ; قال : { وقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت واستعملني على قومي ، واستعملني أبو بكر بعده ، ثم استعملني عمر من بعده فقلت لقومي : في العسل [ ص: 37 ] زكاة ، فإنه لا خير في مال لا يزكى فقالوا : كم ترى . فقلت : العشر ، فأخذته وأتيت به عمر } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق نعيم بن حماد عن بقية عن محمد بن الوليد الزبيدي عن عمرو بن شعيب عن هلال بن مرة : أن عمر بن الخطاب قال في عشور العسل : ما كان منه في السهل ففيه العشر ، وما كان منه في الجبل ففيه نصف العشر .

                                                                                                                                                                                          وصح عن مكحول ، والزهري : أن في كل عشرة أزقاق من العسل زقا رويناه من طريق ثابتة عن الأوزاعي عن الزهري .

                                                                                                                                                                                          وعن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى : في كل عشرة أزقاق من عسل زق ، قال : والزق يسع رطلين .

                                                                                                                                                                                          وروي أيضا من طريق لا تصح عن عمر بن عبد العزيز وهو قول ربيعة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن وهب ، واحتج أهل هذه المقالة بما رويناه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : { جاء هلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له وسأله أن يحمي له واديا يقال له : سلبة ، فحماه له }

                                                                                                                                                                                          وبما رويناه من طريق عبد الله بن محرر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن : أن يؤخذ من العسل العشور } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى { أن أبا سيارة المتعي قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن لي نحلا . قال : فأد منه العشر }

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن جريج قال كتبت إلى إبراهيم بن ميسرة أسأله عن زكاة العسل . فذكر جوابه ، وفيه : أنه قال : ذكر لي من لا أتهم من أهلي : أن عروة بن محمد السعدي [ ص: 38 ] قال له : إنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن صدقة العسل . فرد إليه عمر : قد وجدنا بيان صدقة العسل بأرض الطائف ; فخذ منه العشور قال أبو محمد : هذا كله لا حجة لهم فيه .

                                                                                                                                                                                          أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : فصحيفة لا تصح ، وقد تركوها حيث لا توافق تقليدهم مما قد ذكرناه في غير ما موضع .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث أبي هريرة فمن رواية عبد الله بن محرر وهو أسقط من كل ساقط متفق على اطراحه .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث أبي سيارة المتعي : فمنقطع لأن سليمان بن موسى لا يعرف له لقاء أحد من الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث عمر بن عبد العزيز فمنقطع ، لأنه عمن لم يسم .

                                                                                                                                                                                          وأما خبر عمر بن الخطاب : فلا يصح ; لأنه عن عطاء الخراساني عنه ، ولم يدركه عطاء ، وعن منير بن عبد الله عن أبيه ، وكلاهما مجهول ، وبعض رواته يقول : متين بن عبد الله ولا يدرى من هو ، وعن بقية ، وهو ضعيف ، ثم عن هلال بن مرة ، ولا يدرى من هو . فبطل أن يصح في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ، أو عن عمر ، أو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وقد عارض ذلك كله خبر مرسل أيضا كما حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس : { أن معاذ بن جبل لما أتى اليمن أتي بالعسل وأوقاص الغنم ، فقال : لم أؤمر فيها بشيء . } [ ص: 39 ] ولكنا لا نستحل الحجاج بمرسل ; لأنه لا حجة فيه .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى وكيع عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال : بعثني عمر بن عبد العزيز إلى اليمن ، فأردت ، أن آخذ من العسل العشر . فقال المغيرة بن حكيم الصنعاني : ليس فيه شيء فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز . فقال : صدق ، هو عدل رضي . قال أبو محمد : وبأن لا زكاة في العسل يقول مالك ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، والشافعي ، وأبو سليمان ، وأصحابهم .

                                                                                                                                                                                          قال علي : قد قلنا : إن الله تعالى قال : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }

                                                                                                                                                                                          وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } .

                                                                                                                                                                                          فلا يجوز إيجاب فرض زكاة في مال لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إيجابها . فإن احتجوا بعموم قول الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } .

                                                                                                                                                                                          قيل لهم : فأوجبوها فيما خرج من معادن الذهب والفضة ، وفي القصب ، وفي ذكور الخيل ، فكل ذلك أموال للمسلمين ، بل أوجبوها حيث لم يوجبها الله تعالى ، وأسقطوها مما خرج من النخل والبر والشعير ، في أرض الخراج ، وفي الأرض المستأجرة .

                                                                                                                                                                                          ولكنهم قوم يجهلون

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية