الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( وقدموا لأنفسكم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك :

فقال بعضهم : معنى ذلك : قدموا لأنفسكم الخير .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 417 ]

4349 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : أما قوله : " وقدموا لأنفسكم " ، فالخير .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقدموا لأنفسكم ذكر الله عند الجماع وإتيان الحرث قبل إتيانه .

ذكر من قال ذلك :

4350 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني محمد بن كثير عن عبد الله بن واقد عن عطاء - قال : أراه عن ابن عباس : - " وقدموا لأنفسكم " ، قال : يقول : " بسم الله " ، التسمية عند الجماع .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بتأويل الآية ما روينا عن السدي وهو أن قوله : " وقدموا لأنفسكم " أمر من الله تعالى ذكره عباده بتقديم الخير والصالح من الأعمال ليوم معادهم إلى ربهم ، عدة منهم ذلك لأنفسهم عند لقائه في موقف الحساب ، فإنه قال تعالى ذكره : ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) [ سورة البقرة : 110 \ وسورة المزمل : 20 ] . [ ص: 418 ]

وإنما قلنا : ذلك أولى بتأويل الآية ، لأن الله تعالى ذكره عقب قوله : " وقدموا لأنفسكم " بالأمر باتقائه في ركوب معاصيه . فكان الذي هو أولى بأن يكون قبل التهدد على المعصية - إذ كان التهدد على المعصية عاما - الأمر بالطاعة عاما .

فإن قال لنا قائل : وما وجه الأمر بالطاعة بقوله : " وقدموا لأنفسكم " ، من قوله : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ؟

قيل : إن ذلك لم يقصد به ما توهمته : وإنما عنى به : وقدموا لأنفسكم من الخيرات التي ندبناكم إليها بقولنا : " يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين " ، وما بعده من سائر ما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجيبوا عنه ، مما ذكره الله تعالى ذكره في هذه الآيات . ثم قال تعالى ذكره : قد بينا لكم ما فيه رشدكم وهدايتكم إلى ما يرضي ربكم عنكم ، فقدموا لأنفسكم الخير الذي أمركم به ، واتخذوا عنده به عهدا ، لتجدوه لديه إذا لقيتموه في معادكم واتقوه في معاصيه أن تقربوها ، وفي حدوده أن تضيعوها ، واعلموا أنكم لا محالة ملاقوه في معادكم ، فمجاز المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته .

التالي السابق


الخدمات العلمية