الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 162 ] روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : انتدب الله لمن خرج في سبيله ، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي ، وإيمان بي ، وتصديق برسولي ، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة ، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه ، نائلا ما نال من أجر أو غنيمة } . متفق عليه . ولمسلم { : مثل المجاهد في سبيل الله ، كمثل الصائم القائم } . وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لغدوة في سبيل الله أو روحة ، خير من الدنيا وما فيها } . رواه البخاري .

                                                                                                                                            ( 7412 ) مسألة : قال : ( والجهاد فرض على الكفاية ، إذا قام به قوم ، سقط عن الباقين ) معنى فرض الكفاية ، الذي إن لم يقم به من يكفي ، أثم الناس كلهم ، وإن قام به من يكفي ، سقط عن سائر الناس .

                                                                                                                                            فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع ، كفرض الأعيان ، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له ، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات ، في قول عامة أهل العلم . وحكي عن سعيد بن المسيب ، أنه من فروض الأعيان ; لقول الله تعالى { : انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله } ثم قال : { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } .

                                                                                                                                            وقوله سبحانه : { كتب عليكم القتال } . وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات ولم يغز ، ولم يحدث نفسه بالغزو ، مات على شعبة من النفاق " . ولنا قول الله تعالى : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى } .

                                                                                                                                            وهذا يدل على أن القاعدين غير آثمين مع جهاد غيرهم ، وقال الله تعالى : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا } ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا ، ويقيم هو وسائر أصحابه . فأما الآية التي احتجوا بها ، فقد قال ابن عباس : نسخها قوله تعالى : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } .

                                                                                                                                            رواه الأثرم وأبو داود . ويحتمل أنه أراد حين استنفرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك ، وكانت إجابتهم إلى ذلك واجبة عليهم ، ولذلك هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وأصحابه الذين خلفوا ، حتى تاب الله عليهم بعد ذلك ، وكذلك يجب على من استنفره الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا استنفرتم فانفروا " . متفق عليه . ومعنى الكفاية في الجهاد أن ينهض للجهاد قوم يكفون في قتالهم ; إما أن يكونوا جندا لهم دواوين من أجل ذلك ، أو يكونوا قد أعدوا أنفسهم له تبرعا بحيث إذا قصدهم العدو حصلت المنعة بهم ، ويكون في الثغور من يدفع العدو عنها ، ويبعث في كل سنة جيش يغيرون على العدو في بلادهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية