الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 552 ] فصل ( في فضل الأدب والتأديب )

قال في الغنية بعد أن ذكر جملة من الآداب ينبغي لكل مؤمن أن يعمل بهذه الآداب في أحواله . روي عن عمر رضي الله عنه قال تأدبوا ، ثم تعلموا وقال أبو عبد الله البلخي أدب العلم أكثر من العلم .

وقال عبد الله بن المبارك إذا وصف لي رجل له علم الأولين والآخرين لا أتأسف على فوت لقائه ، وإذا سمعت رجلا له أدب القس أتمنى لقاءه وأتأسف على فوته . ويقال مثل الإيمان كمثل بلدة لها خمسة حصون ، الأول من ذهب ، والثاني من فضة والثالث من حديد ، والرابع من آجر ، والخامس من لبن فما زال أهل الحصن متعاهدين الحصن من اللبن لا يطمع العدو في الثاني فإذا أهملوا ذلك طمعوا في الحصن الثاني ، ثم الثالث حتى تخرب الحصون كلها ، فكذلك الإيمان في خمسة حصون : اليقين . ثم الإخلاص ، ثم أداء الفرائض ، ثم أداء السنن ، ثم حفظ الآداب ، فما دام العبد يحفظ الآداب ويتعاهدها فالشيطان لا يطمع فيه . فإذا ترك الآداب طمع الشيطان في السنن ، ثم في الفرائض ، ثم في الإخلاص ، ثم في اليقين والله أعلم انتهى كلامه .

وقال ابن المبارك لا ينبل الرجل بنوع من العلم ما لم يزين عمله بالأدب رواه الحاكم في تاريخه وروي عنه أيضا طلبت العلم فأصبت فيه شيئا ، وطلبت الأدب فإذا أهله قد ماتوا .

وقال بعض الحكماء لا أدب إلا بعقل ، ولا عقل إلا بأدب ، كان يقال العون لمن لا عون له الأدب .

وقال الأحنف الأدب نور العقل ، كما أن النار في الظلمة نور البصر . كان يقال الأدب من الآباء ، والصلاح من الله . كان يقال من أدب ابنه صغيرا ، قرت به عينه كبيرا ، وقال بعضهم من لم يؤدبه والداه أدبه الليل والنهار .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى [ ص: 553 ] { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } قال أدبوهم وعلموهم وقال بعضهم :

قد ينفع الأدب الأحداث في مهل وليس ينفع بعد الكبر الأدب     إن الغصون إذا قومتها اعتدلت
ولا تلين إذا قومتها الخشب

قيل لعيسى عليه السلام من أدبك ؟ قال ما أدبني أحد رأيت جهل الجاهل فاجتنبته .

وقال سليمان بن داود عليه السلام من أراد أن يغيظ عدوه فلا يرفع العصا عن ولده وقال محمد بن سيرين كانوا يقولون أكرم ولدك وأحسن أدبه .

وقال الحسن التعلم في الصغر كالنقش في الحجر وقال لقمان ضرب الوالد للولد كالسماد للزرع ذكر ذلك ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس وقال ابن المبارك قال لي مخلدة بن الحسين نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من الحديث .

وعن سعيد بن العاص مرفوعا { ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن } وعن جابر بن سمرة مرفوعا { لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع } رواهما الترمذي وقال في كل منهما غريب قال ابن عبد البر قال الشاعر :

خير ما ورث الرجال بنيهم     أدب صالح وحسن الثناء
هو خير من الدنانير والأوراق     في يوم شدة أو رخاء
تلك تفنى والدين والأدب الصا     لح لا يفنيان حتى اللقاء
إن تأدبت يا بني صغيرا     كنت يوما تعد في الكبراء

.

التالي السابق


الخدمات العلمية