الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 164 ] الثامنة : مما يتفرع على أن النكرة المنفية للعموم نفي المساواة بين الشيئين كقوله تعالى : { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } فهو عام عندنا ; لأن نفي المساواة بين الشيئين يقتضي نفيها من كل وجه ، حتى احتج به أصحابنا على امتناع القصاص من المسلم للكافر ; لأنه يقتضي الاستواء ، والله تعالى قد نفاه .

                                                      وخالفت الحنفية ومنعوا عمومه ، وبه قالت المعتزلة . ووافقهم الغزالي ، وصاحب " المعتمد " و " المحصول " لأن نفي الاستواء المطلق لا يحتمل نفي الاستواء من كل وجه ; لأن الأعم لا يستلزم الأخص ، وهو مردود ، فإن ذلك في جانب الثبوت ، أما في النفي فيدل ; لأن نفي العام يدل على نفي الخاص وهو نفي الحقيقة العامة ، فتنتفي جزئياتها .

                                                      ومأخذ الخلاف أن المساواة في الإثبات ، هل مدلولها لغة : المشاركة في كل الوجوه حتى يكون اللفظ شاملا ؟ أو مدلولها المساواة في بعض الوجوه حتى يصدق بأي وجه ؟ فإن قلنا بالأول لم يكن النفي للعموم ; لأن نقيض الكلي الموجب جزئي سالب ، وإن قلنا بالثاني كان للعموم ، لأن نقيض الجزئي الموجب كلي سالب ، وحاصله أن صيغة " لا يستوي " عموم سلب التسوية أو سلب عموم التسوية ، فعلى الأول يمتنع ثبوت شيء من أفرادها ، وعلى الثاني لا يمتنع ثبوت البعض .

                                                      فإن قلت : فهذا يرجح مذهبهم ، لأن حرف النفي سابق ، وهو شرط [ ص: 165 ] لسلب العموم . قلت : الشرط أن يتقدم على لفظ عام تحته متعدد ، فإذا سلب عمومه نفي الحكم عن بعض الأفراد ، نحو : لم أضرب كل الرجال ، بخلاف لا يستويان ، فإن السلب دخل على ماهية الاستواء ، والماهية من حيث هي هي لا تعدد فيها ولا اتحاد ، فلم يبق بعد سلبها شيء يثبت له الحكم ، فلهذا قلنا : إن هذه الصيغة من باب عموم السلب لا سلب العموم .

                                                      وأما ابن الحاجب فإنه لما رأى المباحث متقابلة من الجانبين عدل عن مدلول اللفظ وأحال العموم على النفي ، فإن الفعل لما وقع في جانب النفي كان نفيا لمصدره كما سيأتي ، فلذلك قال : والتحقيق أن العموم من النفي ، وهو الذي عول عليه الآمدي .

                                                      وسلك إلكيا الطبري طريقة أخرى ، فحكى عن قوم أنه من باب المجمل ، لأن نفي الاستواء إذا أطلق فيما ثبت بالدليل أنه متماثل بالذات إنما يعني به في بعض أوصافه ، وذلك غير بين من اللفظ ، فهو مجمل ; إذ قال : ومتى عقب هذا النوع بشيء فرق بينهما فيه ، وجب حمل أوله عليه ، والمراد بذلك أنهما لا يستويان في الفوز بالجنة ، ولذا قال في آخره : { أصحاب الجنة هم الفائزون } وعليه جرى الصفي الهندي .

                                                      فقال : الحق أن قوله : يستوي أو لا يستوي ، من باب المجمل من المتواطئ ، لا من باب العام ، ونظيره : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } .

                                                      ونظير هذا الخلاف خلاف الأصوليين في قوله تعالى : { وليس الذكر كالأنثى } هل هو عام حتى يخص ما يخص من [ ص: 166 ] الأحكام بدليل ، أو مجمل ; لأنا نعلم ضرورة مساواتهما في الإنسانية وغير ذلك ؟ وعلى الأول يحتج به على أن المرأة لا تكون قاضيا ولا إماما ، ولا يلزمها الجمعة وغير ذلك بخلاف الثاني . تنبيه

                                                      هذا الخلاف في عموم المساواة يجري في كلمة مثل ، بل هو أدل على المشابهة من لفظ المساواة ، ولم يذكروه ، قال ابن دقيق العيد : لفظ المثل دال على المساواة بين الشيئين إلا فيما لا يقع التعدد إلا به .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية