الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              629 (باب استخلاف الإمام إذا مرض، وصلاته بالناس )

                                                                                                                              وقال النووي : (باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض، وسفر، وغيرهما، من يصلي بالناس. وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام، لزمه القيام إذا قدر عليه، ونسخ القعود خلف القاعد، في حق من قدر على القيام ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 135- 138 ج 4 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبيد الله بن عبد الله، قال: دخلت على عائشة فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى. ثقل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أصلى الناس؟" قلنا: لا. وهم ينتظرونك يا رسول الله! [ ص: 458 ] قال: "ضعوا لي ماء في المخضب" ففعلنا. فاغتسل. ثم ذهب لينوء فأغمي عليه. ثم أفاق فقال: "أصلى الناس؟" قلنا: لا. وهم ينتظرونك. يا رسول الله! فقال: "ضعوا لي ماء في المخضب" ففعلنا. فاغتسل. ثم ذهب لينوء فأغمي عليه. ثم أفاق. فقال: "أصلى الناس؟" قلنا: لا. وهم ينتظرونك. يا رسول الله! فقال: "ضعوا لي ماء في المخضب" ففعلنا. فاغتسل. ثم ذهب لينوء فأغمي عليه. ثم أفاق فقال: "أصلى الناس؟" فقلنا: لا. وهم ينتظرونك، يا رسول الله! قالت: والناس عكوف في المسجد، ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة. قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر، أن يصلي بالناس. فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس. فقال أبو بكر (وكان رجلا رقيقا ) : يا عمر! صل بالناس. قال: فقال عمر: أنت أحق بذلك. قالت: فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين. أحدهما العباس، لصلاة الظهر. وأبو بكر يصلي بالناس. فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر. فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر. وقال لهما: "أجلساني إلى جنبه" فأجلساه إلى جنب أبي بكر. وكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم. والناس يصلون بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد.

                                                                                                                              قال عبيد الله: فدخلت على عبد الله بن عباس فقلت له: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هات. فعرضت [ ص: 459 ] حديثها عليه. فما أنكر منه شيئا. غير أنه قال أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا. قال: هو علي . ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبيد الله بن عبد الله، قال: دخلت على عائشة ) رضي الله عنها (فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى؛ ثقل النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: "أصلى الناس؟" قلنا: لا. وهم ينتظرونك يا رسول الله ) .

                                                                                                                              "فيه" دليل على أنه إذا تأخر الإمام عن أول الوقت، ورجي مجيئه على قرب، ينتظر. ولا يتقدم غيره.

                                                                                                                              (قال: "ضعوا لي ماء في المخضب" ) بكسر الميم. وهو إناء نحو (المركن ) الذي يغسل فيه.

                                                                                                                              (ففعلنا؛ فاغتسل؛ ثم ذهب لينوء ) أي: يقوم وينهض.

                                                                                                                              (فأغمي عليه. ثم أفاق. فقال: "أصلى الناس؟" قلنا: لا. وهم ينتظرونك يا رسول الله ! فقال: "ضعوا لي ماء في المخضب" ففعلنا. فاغتسل. ثم ذهب لينوء فأغمي عليه. ثم أفاق. فقال: "أصلى الناس؟" قلنا: لا. وهم ينتظرونك يا رسول الله ! فقال: "ضعوا لي ماء في المخضب" ففعلنا. فاغتسل. ثم ذهب لينوء فأغمي عليه. ثم أفاق. فقال:

                                                                                                                              [ ص: 460 ] "أصلى الناس؟" فقلنا: لا. وهم ينتظرونك يا رسول الله ! )

                                                                                                                              "فيه" دليل على جواز الإغماء على الأنبياء، ولا شك في جوازه، فإنه مرض، والمرض يجوز عليهم. بخلاف الجنون. فإنه غير جائز عليهم.

                                                                                                                              والحكمة في جواز المرض عليهم، ومصائب الدنيا: تكثير أجرهم وتسلية الناس بهم؛ ولئلا يفتتن الناس بهم ويعبدوهم، لما يظهر عليهم من المعجزات، والآيات البينات. والله أعلم.

                                                                                                                              "وفيه" دليل لاستحباب الغسل من الإغماء، وإذا تكرر الإغماء، استحب تكرر الغسل لكل مرة؛ فإن لم يغتسل إلا بعد الإغماء مرات، كفى غسل واحد.

                                                                                                                              وقد حمل عياض الغسل هنا على الوضوء، من حيث إن الإغماء ينقض الوضوء،

                                                                                                                              ولكن الصواب أن المراد غسل جميع البدن؛ فإنه ظاهر اللفظ.

                                                                                                                              ولا مانع يمنع منه.

                                                                                                                              فإن الغسل مستحب من الإغماء. بل قال بعضهم: إنه واجب. وهذا شاذ ضعيف.

                                                                                                                              [ ص: 461 ] (قالت: والناس عكوف ) . أي: مجتمعون منتظرون لخروج النبي صلى الله عليه وسلم. وأصل الاعتكاف: اللزوم والحبس.

                                                                                                                              (في المسجد، ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة ) .

                                                                                                                              "فيه" دليل على صحة قول الإنسان: (العشاء الآخرة ) .

                                                                                                                              وقد أنكره الأصمعي، والصواب: جوازه، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة، وأنس، والبراء، وجماعة آخرين: إطلاق ذلك.

                                                                                                                              (قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس. فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس. فقال أبو بكر- وكان رجلا رقيقا-: يا عمر ! صل بالناس. قال: فقال عمر: أنت أحق بذلك ) .

                                                                                                                              "فيه" فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وترجيحه على جميع الصحابة، وتفضيله. وتنبيه على أنه أحق بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره.

                                                                                                                              "وفيه" أن الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة، استخلف من يصلى بهم، وأنه لا يستخلف إلا أفضلهم.

                                                                                                                              "وفيه" فضيلة عمر بعد أبي بكر رضي الله عنهما، لأن أبا بكر لم يعدل إلى غيره.

                                                                                                                              [ ص: 462 ] "وفيه" أن المفضول إذا عرض عليه الفاضل مرتبة لا يقبلها، بل يدعها للفاضل إذا لم يمنع مانع.

                                                                                                                              "وفيه" جواز الثناء في الوجه، لمن أمن عليه الإعجاب والفتنة، لقوله: "أنت أحق بذلك".

                                                                                                                              وأما قول أبي بكر لعمر: صل بالناس، فقاله للعذر المذكور، وهو أنه رجل رقيق القلب، كثير الحزن والبكاء، لا يملك عينيه. وقد تأوله بعضهم على أنه قال ذلك تواضعا. والمختار ما ذكرناه.

                                                                                                                              (قالت: فصلى بهم أبو بكر، تلك الأيام. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين. أحدهما العباس ) .

                                                                                                                              وفسر ابن عباس الآخر: بعلي بن أبي طالب. وفي الطريق الآخر: (فخرج ويد له على الفضل بن عباس، ويد له على رجل آخر ) .

                                                                                                                              وجاء في غير مسلم : (بين رجلين. أحدهما: أسامة بن زيد ) .

                                                                                                                              وطريق الجمع بين هذا كله: أنهم كانوا يتناوبون الأخذ بيده الكريمة. تارة هذا، وتارة ذاك، وذاك، ويتنافسون في ذلك.

                                                                                                                              وهؤلاء هم خواص أهل بيته، الرجال الكبار، وكان العباس، أكثرهم ملازمة للأخذ بيده الشريفة المباركة صلى الله عليه وسلم ،.

                                                                                                                              أو أنه أدام الأخذ بيده، وإنما يتناوب الباقون في اليد الأخرى.

                                                                                                                              [ ص: 463 ] وأكرموا العباس باختصاصه بيد كريمة، واستمرارها له، لما له من السن والعمومة، وغيرهما.

                                                                                                                              ولهذا ذكرته عائشة مسمى، وأبهمت الرجل الآخر، إذ لم يكن أحد الثلاثة الباقين ملازما في جميع الطريق، ولا معظمه. بخلاف العباس. والله أعلم.

                                                                                                                              (لصلاة الظهر؛ وأبو بكر يصلي بالناس. فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر. وقال لهما: "أجلساني إلى جنبه" فأجلساه إلى جنب أبي بكر ) .

                                                                                                                              "فيه"، جواز وقوف مأموم واحد، بجنب الإمام لحاجة، أو مصلحة، كإسماع المؤمنين، وضيق المكان، ونحو ذلك.

                                                                                                                              (وكان أبو بكر يصلي وهو قائم، بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم . والناس يصلون بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد.

                                                                                                                              قال عبيد الله: فدخلت على عبد الله بن عباس، فقلت له: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هات ) بكسر التاء.

                                                                                                                              فعرضت حديثها عليه. فما أنكر منه شيئا، غير أنه قال: أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا. قال: هو علي ) رضي الله عنهم.

                                                                                                                              [ ص: 464 ] ومطابقة الحديث بترجمة الباب واضح، لا يحتاج إلى بيان.




                                                                                                                              الخدمات العلمية