الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، والبيهقي ، وابن عساكر ، عن قتادة قال : أنزل الله هذه الآية، وقد علم أنه سيرتد مرتدون من الناس، فلما قبض الله نبيه ارتد عامة العرب عن الإسلام إلا ثلاثة مساجد : أهل المدينة، وأهل مكة، وأهل الجواثا من عبد القيس، وقال الذين ارتدوا : نصلي الصلاة ولا نزكي، والله لا تغصب أموالنا، فكلم أبو بكر في ذلك [ ص: 353 ] ليتجاوز عنهم، وقيل له : إنهم لو قد فقهوا أدوا الزكاة فقال : والله لا أفرق بين شيء جمعه الله، ولو منعوني عقالا مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه، فبعث الله عصائب مع أبي بكر فقاتلوا حتى أقروا بالماعون، وهو الزكاة، قال قتادة : فكنا نحدث أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وأصحابه : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه إلى آخر الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال : هو أبو بكر وأصحابه، لما ارتد من ارتد من العرب عن الإسلام، جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردهم إلى الإسلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وخيثمة الأترابلسي في (فضائل الصحابة)، والبيهقي في (الدلائل)، عن الحسن في قوله : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال : هم الذين قاتلوا أهل الردة من العرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر وأصحابه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن شريح بن عبيد قال : لما أنزل الله : يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال عمر : أنا وقومي هم يا رسول الله؟ قال : (لا، بل هذا وقومه) يعني أبا موسى الأشعري .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة في (مسنده)، وعبد بن حميد ، والحكيم الترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والحاكم وصححه، والبيهقي في (الدلائل)، عن عياض الأشعري قال : لما نزلت : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هم قوم هذا)، وأشار إلى أبي موسى الأشعري .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، والحاكم في (جمعه لحديث شعبة)، والبيهقي ، وابن عساكر ، عن أبي موسى الأشعري قال : تليت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (هم قومك يا أبا موسى، أهل اليمن) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم في (الكنى)، والطبراني في (الأوسط)، وابن مردويه بسند حسن، عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن [ ص: 355 ] قوله : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال : (هؤلاء قوم من أهل اليمن، ثم من كندة، ثم من السكون، ثم من تجيب) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في (تاريخه)، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال : هم قوم من أهل اليمن، ثم من كندة، ثم من السكون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ابن عباس : فسوف يأتي الله بقوم قال : هم أهل القادسية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في (تاريخه)، عن القاسم بن مخيمرة قال : أتيت ابن عمر فرحب بي، ثم تلا : من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ثم ضرب على منكبي وقال : أحلف بالله إنهم لمنكم أهل اليمن، ثلاثا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن مجاهد : فسوف يأتي الله بقوم قال : هم قوم سبإ .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال : هذا [ ص: 356 ] وعيد من الله أنه من ارتد منهم سيستبدل بهم خيرا منهم، وفي قوله : أذلة قال : رحماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن علي في قوله : أذلة على المؤمنين قال : أهل رقة على أهل دينهم، أعزة على الكافرين قال : أهل غلظة على من خالفهم في دينهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج في قوله : أذلة على المؤمنين قال : رحماء بينهم، أعزة على الكافرين قال : أشداء عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : أعزة على الكافرين قال : أشداء عليهم، وفي قوله : يجاهدون في سبيل الله قال : يسارعون في الحرب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 357 ] وأخرج أبو الشيخ ، عن الضحاك قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد طوائف من العرب، فابتعث الله لهم أبا بكر في أنصار من أنصار الله، فقاتلهم حتى ردهم إلى الإسلام، فهذا تفسير هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية