الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن سبع ، سمع عليا يقول : لتخضبن هذه من هذه ، فما ينتظرني إلا شقي ، قالوا : يا أمير المؤمنين ، فأخبرنا عنه ، لنبيرن عترته ، قال : أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي . قالوا : فاستخلف علينا ، قال : لا ؛ ولكني أترككم إلى ما [ ص: 247 ] ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : فما تقول لربك إذا أتيته ؟ قال : أقول : اللهم تركتني فيهم ما بدا لك ، ثم قبضتني إليك ، وأنت فيهم ، إن شئت أصلحتهم ، وإن شئت أفسدتهم .

                                                                                      وقال الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ثعلبة بن يزيد الحماني ، قال : سمعت عليا يقول : أشهد أنه كان يسر إلي النبي صلى الله عليه وسلم : " لتخضبن هذه من هذه - يعني لحيته من رأسه - فما يحبس أشقاها " .

                                                                                      وقال شريك ، عن عثمان بن أبي زرعة ، عن زيد بن وهب ، قال : قدم على علي قوم من البصرة من الخوارج ، فقال منهم الجعد بن بعجة : اتق الله يا علي فإنك ميت ، فقال علي : بل مقتول ؛ ضربة على هذه تخضب هذه ، عهد معهود وقضاء مقضي ، وقد خاب من افترى . قال : وعاتبه في لباسه ، فقال : ما لكم ولباسي ، هو أبعد من الكبر ، وأجدر أن يقتدي بي المسلم .

                                                                                      وقال فطر ، عن أبي الطفيل : إن عليا رضي الله عنه تمثل :

                                                                                      اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا     ولا تجزع من القتل
                                                                                      إذا حل بواديكا

                                                                                      وقال ابن عيينة ، عن عبد الملك بن أعين ، عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي ، عن أبيه ، عن علي ، قال : أتاني عبد الله بن سلام ، وقد وضعت قدمي في الغرز ، فقال لي ، لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف ، قلت : وايم الله لقد أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو الأسود : فما رأيت كاليوم قط محاربا يخبر بذا عن [ ص: 248 ] نفسه .

                                                                                      قال ابن عيينة : كان عبد الملك رافضيا .

                                                                                      وقال يونس بن بكير : حدثني علي بن أبي فاطمة ، قال : حدثني الأصبغ الحنظلي ، قال : لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي رضي الله عنه أتاه ابن النباح حين طلع الفجر ، يؤذنه بالصلاة ، فقام يمشي فلما بلغ الباب الصغير ، شد عليه عبد الرحمن بن ملجم ، فضربه ، فخرجت أم كلثوم فجعلت تقول : ما لي ولصلاة الصبح ، قتل زوجي عمر صلاة الغداة ، وقتل أبي صلاة الغداة .

                                                                                      وقال أبو جناب الكلبي : حدثني أبو عون الثقفي ، عن ليلة قتل علي ، قال : قال الحسن بن علي : خرجت البارحة وأمير المؤمنين يصلي ، فقال لي : يا بني إني بت البارحة أوقظ أهلي ؛ لأنها ليلة الجمعة صبيحة بدر ، لسبع عشرة من رمضان ، فملكتني عيناي ، فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد ؟ فقال : " ادع عليهم " فقلت : اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم ، وأبدلهم بي من هو شر مني . فجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة ، فخرج وخرجت خلفه ، فاعتوره رجلان : أما أحدهما فوقعت ضربته في السدة ، وأما الآخر فأثبتها في رأسه .

                                                                                      وقال جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن عليا رضي الله عنه كان يخرج إلى الصلاة ، وفي يده درة يوقظ الناس بها ، فضربه ابن ملجم ، فقال علي : أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا ولي دمي . [ ص: 249 ] رواه غيره ، وزاد : فإن بقيت قتلت أو عفوت ، وإن مت فاقتلوه قتلتي ، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين .

                                                                                      وقال محمد بن سعد : لقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي ، فأعلمه بما عزم عليه من قتل علي ، فوافقه ، قال : وجلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي ، قال الحسن : وأتيته سحرا ، فجلست إليه ، فقال : إني ملكتني عيناي وأنا جالس ، فسنح لي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر المنام المذكور ، قال : وخرج وأنا خلفه ، وابن النباح بين يديه ، فلما خرج من الباب نادى : أيها الناس ؛ الصلاة الصلاة ، وكذلك كان يصنع في كل يوم ، ومعه درته يوقظ الناس ، فاعترضه الرجلان ، يضربه ابن ملجم على دماغه ، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق ، وسمع الناس عليا يقول : لا يفوتنكم الرجل . فشد الناس عليهما من كل ناحية ، فهرب شبيب ، وأخذ عبد الرحمن ، وكان قد سم سيفه .

                                                                                      ومكث علي يوم الجمعة والسبت ، وتوفي ليلة الأحد ، لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان ، فلما دفن أحضروا ابن ملجم ، فاجتمع الناس ، وجاءوا بالنفط والبواري ، فقال محمد بن الحنفية والحسين وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب : دعونا نشتف منه ، فقطع عبد الله يديه ورجليه ، فلم يجزع ولم يتكلم ، فكحل عينيه ، فلم يجزع ، وجعل يقول : إنك لتكحل عيني عمك ، وجعل يقرأ : اقرأ باسم ربك الذي خلق [ العلق ] حتى ختمها ، وإن عينيه لتسيلان ، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطع ، فجزع ، فقيل له في ذلك . فقال : ما ذاك بجزع ، ولكني أكره أن أبقى في الدنيا فواقا لا أذكر الله ، فقطعوا لسانه ، ثم أحرقوه في قوصرة . وكان أسمر ، حسن الوجه ، أفلج ، شعره مع شحمة [ ص: 250 ] أذنيه ، وفي جبهته أثر السجود .

                                                                                      ويروى أن عليا رضي الله عنه أمرهم أن يحرقوه بعد القتل .

                                                                                      وقال جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : صلى الحسن على علي ، ودفن بالكوفة ، عند قصر الإمارة ، وعمي قبره .

                                                                                      وعن أبي بكر بن عياش ، قال : عموه لئلا تنبشه الخوارج . وقال شريك ، وغيره : نقله الحسن بن علي إلى المدينة .

                                                                                      وذكر المبرد ، عن محمد بن حبيب ، قال : أول من حول من قبر إلى قبر علي .

                                                                                      وقال صالح بن أحمد النحوي : حدثنا صالح بن شعيب ، عن الحسن بن شعيب الفروي ، أن عليا رضي الله عنه صير في صندوق ، وكثروا عليه الكافور ، وحمل على بعير ، يريدون به المدينة ، فلما كان ببلاد طيء ، أضلوا البعير ليلا ، فأخذته طيء وهم يظنون أن في الصندوق مالا ، فلما رأوه خافوا أن يطلبوا ، فدفنوه ونحروا البعير فأكلوه .

                                                                                      وقال مطين : لو علمت الرافضة قبر من هذا الذي يزار بظاهر الكوفة لرجمته ، هذا قبر المغيرة بن شعبة .

                                                                                      قال أبو جعفر الباقر : قتل علي رضي الله عنه وهو ابن ثمان [ ص: 251 ] وخمسين .

                                                                                      وعنه رواية أخرى أنه عاش ثلاثا وستين سنة ، وكذا روي عن أبي الحنفية ، وقاله أبو إسحاق السبيعي ، وأبو بكر بن عياش ، وينصر ذلك ما رواه ابن جريج ، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، أنه أخبره أن عليا توفي لثلاث أو أربع وستين سنة .

                                                                                      وعن جعفر الصادق ، عن أبيه ، قال : كان لعلي سبع عشرة سرية .

                                                                                      وقال أبو إسحاق السبيعي ، عن هبيرة بن يريم ، قال : خطبنا الحسن بن علي ، فقال : لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه إلا الأولون بعلم ، ولا يدركه الآخرون ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية ، فلا ينصرف حتى يفتح له ، ما ترك بيضاء ولا صفراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، كان أرصدها ، لا خادم لأهله .

                                                                                      وقال أبو إسحاق ، عن عمرو الأصم ، قال : قلت للحسن بن علي : إن الشيعة يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة ، فقال : كذبوا والله ما هؤلاء بشيعة ، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ، ولا قسمنا ميراثه . ورواه شريك عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، بدل عمرو .

                                                                                      ولو استوعبنا أخبار أمير المؤمنين رضي الله عنه لطال الكتاب .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية