الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ القول في الإعسار بالصداق ] .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومن قال هذا لزمه عندي إذا لم يجد صداقها أن يخبرها لأنه شبيه بنفقتها ( قال المزني ) رحمه الله : قد قال ولو أعسر بالصداق ولم يعسر بالنفقة فاختارت المقام معه لم يكن لها فراقه ؛ لأنه لا ضرر على بدنها إذا أنفق عليها في استئخار صداقها ( قال المزني ) فهذا دليل على أن لا خيار لها فيه كالنفقة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن للشافعي في إعسار الزوج بصداق زوجته كلاما محتملا قاله هاهنا وفي الإملاء اختلف أصحابه لأجله اختلافا منتشرا جملته أن يتخرج في إعساره بصداقها ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : لها الخيار في إعساره بصداقها قبل الدخول وبعده كالنفقة ، وهو الظاهر من كلام الشافعي في هذا الموضع ؛ لأن الصداق أقوى المقصودين لاستحقاقه بالعقد فإذا ثبت لها الخيار في أضعفهما كان ثبوته في الأقوى أحق .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو اختيار المزني : لا خيار لها قبل الدخول وبعده لمخالفة الصداق النفقة من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يضعها بعد الدخول مستهلك فصار كاستهلاك المبيع في الفلس لا خيار فيه للبائع ، وقبل الدخول يسقط صداقها بالفسخ من غير بدل فلم يكن الفسخ فيه إلا ضررا .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لا يدخل عليها بتأخر الصداق عنها ضرر في بدنها ويقوم بدنها [ ص: 462 ] بتأخيره وفقد النفقة لا يقوم معه بدن ولا يمكن معه صبر فافترقا في الخيار من هذين الوجهين .

                                                                                                                                            والقول الثالث : وهو اختيار أبي إسحاق المروزي وابن أبي هريرة وأكثر أصحابنا : أن لها الخيار قبل الدخول ولا خيار لها بعده لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن بعضها بعد الدخول مستهلك فسقط خيارها كما يسقط خيار البائع بتلف المبيع في يد المفلس ، وهو قبل الدخول غير مستهلك فثبت لها الخيار كما يثبت للبائع مع بقاء المبيع .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما كان لها الامتناع من تسليم نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها ولم يكن لها الامتناع بعد الدخول كانت يدها فيه قبل الدخول أقوى فثبت لها الخيار في الإعسار وبعد الدخول أضعف فسقط خيارها في الإعسار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية