الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة التاسعة عشرة : قوله تعالى : { أو على سفر } : روي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابتهم جراحة ففشت فيهم ، ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك ، فنزلت هذه الآية . { وقالت عائشة : كنت في مسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنت بذات الجيش ضل عقد لي } الحديث إلى آخره . قال : فنزلت آية التيمم ، وهي معضلة ما [ ص: 562 ] وجدت لدائها من دواء عند أحد ، هما آيتان فيهما ذكر التيمم : إحداهما في النساء ، والأخرى في المائدة ، فلا نعلم أية آية عنت عائشة .

                                                                                                                                                                                                              وآية التيمم المذكورة في حديث عائشة النازلة عند فقد العقد كانت في غزوة المريسيع قال خليفة بن خياط ، سنة ست من الهجرة . وقال غيره : سنة خمس ، وليس بصحيح . وحديثها يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معلوما ولا مفعولا لهم . فالله أعلم كيف كانت حال من عدم الماء ، وحانت عليه الصلاة . فإحدى الآيتين مبينة والأخرى زائدة عليها ، وإحداهما سفرية والأخرى حضرية ، ولما كان أمرا لا يتعلق به حكم خبأه الله ولم يتيسر بيانه على يدي أحد ، ولقد عجبت من البخاري بوب في كتاب التفسير في سورة النساء على الآية التي ذكر فيها التيمم ، وأدخل حديث عائشة فقال : وإن كنتم مرضى أو على سفر . وبوب في سورة المائدة فقال : باب " فلم تجدوا ماء " وأدخل حديث عائشة بعينه ، وإنما أراد أن يدل على أن الآيتين تحتمل كل واحدة منهما قصة عائشة ، وأراد فائدة أشار إليها هي أن قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } إلى هذا الحد نزل في قصة علي ، وأن ما وراءها قصة أخرى وحكم آخر لم يتعلق بها شيء منه ، فلما نزلت في وقت آخر قرنت بها .

                                                                                                                                                                                                              والذي يقتضيه هذا الظاهر عندي أن آية الوضوء يذكر التيمم فيها في المائدة ، وهي النازلة في قصة عائشة ، وكان الوضوء مفعولا غير متلو ، فكمل ذكره وعقب بذكر بدله واستوفيت النواقض فيه ، ثم أعيدت من قوله : { وإن كنتم مرضى } إلى آخر الآية في سورة النساء مركبة على قوله تعالى : { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } حتى تكمل تلك الآية في سورة النساء جاء بأعيان مسائلها كمال هذه ، ويتكرر البيان ، وليس لها نظير في القرآن . والذي يدل على أن آية عائشة هي آية المائدة أن المفسرين بالمدينة اتفقوا على أن المراد بقوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة } يعني من النوم ، وكان ذلك في قصة عائشة ; والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية