الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قرد ]

                                                          قرد : القرد بالتحريك : ما تمعط من الوبر والصوف وتلبد ، وقيل : هو نفاية الصوف خاصة ، ثم استعمل فيما سواه من الوبر والشعر ، والكتان ، قال الفرزدق :


                                                          أسيد ذو خريطة نهارا من المتلقطي قرد القمام



                                                          يعني بالأسيد هنا سويداء ، وقال من المتلقطي قرد القمام ليثبت أنها امرأة ; لأنه لا يتتبع قرد القمام إلا النساء ، وهذا البيت مضمن ; لأن قوله : أسيد ، فاعل بما قبله ألا ترى أن قبله :


                                                          سيأتيهم بوحي القول عني     ويدخل رأسه تحت القرام
                                                          أسيد . . . . . . . . . .



                                                          قال ابن سيده : وذلك أنه لو قال : أسيد ذو خريطة نهارا ، ولم يتبعه ما بعده لظن رجلا ، فكان ذلك عارا بالفرزدق وبالنساء ، أعني أن يدخل رأسه تحت القرام أسود ، فانتفى من هذا وبرأ النساء منه بأن قال من المتلقطي قرد القمام واحدته قردة . وفي المثل : عكرت على الغزل بأخرة فلم تدع بنجد قردة ، وأصله أن تترك المرأة الغزل ، وهي تجد ما تغزل من قطن أو كتان أو غيرهما ، حتى إذا فاتها تتبعت القرد في القمامات ملتقطة وعكرت ، أي : عطفت . وقرد الشعر والصوف ، بالكسر ، يقرد قردا فهو قرد وتقرد : تجعد وانعقدت أطرافه . وتقرد الشعر : تجمع . وقرد الأديم : حلم . والقرد من السحاب : الذي تراه في وجهه شبه انعقاد في الوهم يشبه بالشعر القرد الذي انعقدت أطرافه . ابن سيده : والقرد من السحاب المتعقد المتلبد بعضه على بعض شبه بالوبر القرد ، قال أبو حنيفة : إذا رأيت السحاب ملتبدا ولم يملاس فهو القرد ، والمتقرد . وسحاب قرد : وهو المتقطع في أقطار السماء يركب بعضه بعضا وفي حديث عمر رضي الله عنه : ذري الدقيق وأنا أحرك لك لئلا يتقرد ، أي : لئلا يركب بعضه بعضا ، وفيه : أنه صلى إلى بعير من المغنم فلما انفتل تناول قردة من وبر البعير ، أي : قطعة مما ينسل منه . والمتقرد : هنات صغار تكون دون السحاب لم تلتئم بعد . وفرس قرد الخصيل إذا لم يكن مسترخيا ، وأنشد :


                                                          قرد الخصيل وفي العظام بقية



                                                          ، والقراد : معروف ، واحد القردان . والقراد : دويبة تعض الإبل ، قال :


                                                          لقد تعللت على أيانق     صهب قليلات القراد اللازق



                                                          عنى بالقراد هاهنا الجنس ، فلذلك أفرد نعتها وذكره . ومعنى قليلات : أن جلودها ملس ، لا يثبت عليها قراد إلا زلق ؛ لأنها سمان ممتلئة ، والجمع أقردة وقردان كثيرة ؛ وقول جرير :


                                                          وأبرأت من أم الفرزدق ناخسا     وقرد استها بعد المنام يثيرها



                                                          قرد فيه : مخفف من قرد جمع قرادا جمع مثال وقذال لاستواء بنائه مع بنائهما . وبعير قرد : كثير القردان فأما قول مبشر بن هذيل بن زافر الفزاري :


                                                          أرسلت فيها قردا لكالكا



                                                          قال ابن سيده : عندي أن القرد هاهنا الكثير القردان ، قال : وأما ثعلب ، فقال : هو المتجمع الشعر ، والقولان متقاربان ؛ لأنه إذا تجمع وبره كثرت فيه القردان . وقرده : انتزع قردانه وهذا فيه معنى السلب ، وتقول منه : قرد بعيرك ، أي : انزع منه القردان . وقرده : ذلله ، وهو من ذلك ؛ لأنه إذا قرد سكن لذلك وذل ، والتقريد : الخداع مشتق من ذلك ; لأن الرجل إذا أراد أن يأخذ البعير الصعب قرده أولا ، كأنه ينزع قردانه ، قال الحصين بن القعقاع :


                                                          هم السمن بالسنوت لا ألس فيهم     وهم يمنعون جارهم أن يقردا



                                                          قال ابن الأعرابي : يقول لا يستنبذ إليهم أحد ، وقال الحطيئة :


                                                          لعمرك ما قراد بني كليب     إذا نزع القراد بمستطاع



                                                          ونسبه الأزهري للأخطل . والقرود من الإبل : الذي لا ينفر عند التقريد . وقرادا الثديين : حلمتاهما ، قال عدي بن الرقاع يمدح عمر بن هبيرة ، وقيل : هو لملحة الجرمي :


                                                          كأن قرادي زوره طبعتهما     بطين من الحولان كتاب أعجم
                                                          إذا شئت أن تلقى فتى الباس والندى     وذا الحسب الزاكي التليد المقدم
                                                          فكن عمرا تأتي ولا تعدونه     إلى غيره واستخبر الناس وافهم



                                                          وأم القردان : الموضع بين الثنة ، والحافر ، وأنشد بيت ملحة الجرمي أيضا ، وقال : عنى به حلمتي الثدي ، ويقال للرجل : إنه لحسن قرادي الصدر ، وأنشد الأزهري هذا البيت ونسبه لابن ميادة يمدح بعض الخلفاء ، وقال في آخره : كتاب أعجما ، قال أبو الهيثم : القرادان من الرجل أسفل الثندوة . يقال : إنهما منه لطيفان كأنهما في صدره أثر طين خاتم ختمه بعض كتاب العجم ، وخصهم ؛ لأنهم كانوا أهل دواوين وكتابة . وأم القردان في فرسن البعير : بين السلاميات ، وقيل في تفسير قراد الزور : الحلمة وما حولها من الجلد المخالف للون الحلمة . وقرادا الفرس : حلمتان عن جانبي إحليله ، ويقال : فلان يقرد فلانا إذا خادعه متلطفا ، وأصله الرجل يجيء إلى الإبل ليلا ليركب منها بعيرا ، فيخاف أن يرغو فينزع منه القراد حتى يستأنس إليه ، ثم يخطمه ، وإنما قيل لمن يذل قد أقرد ؛ لأنه شبه بالبعير يقرد ، أي : ينزع منه القراد فيقرد لخاطمه ، ولا يستصعب عليه . وفي حديث ابن عباس : لم ير بتقريد المحرم البعير بأسا ، التقريد نزع القردان من البعير ، وهو الطبوع الذي يلصق بجسمه . وفي حديثه الآخر : قال لعكرمة ، وهو محرم : قم فقرد هذا البعير ، فقال : إني محرم ، فقال : قم فانحره فنحره ، فقال : كم نراك الآن قتلت من قراد وحمنانة ؟ ابن الأعرابي : أقرد الرجل إذا سكت ذلا ، وأخرد إذا سكت حياء . وفي الحديث : إياكم [ ص: 61 ] ، والإقراد ، قالوا : يا رسول الله وما الإقراد ؟ قال : الرجل يكون منكم أميرا أو عاملا فيأتيه المسكين ، والأرملة فيقول لهم : مكانكم ، ويأتيه الشريف ، والغني فيدنيه ، ويقول : عجلوا قضاء حاجته ، ويترك الآخرون مقردين . يقال : أقرد الرجل إذا سكت ذلا ، وأصله أن يقع الغراب على البعير فيلتقط القردان فيقر ، ويسكن لما يجده من الراحة . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : كان لنا وحش فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعرنا قفزا ، فإذا حضر مجيئه أقرد ، أي : سكن وذل . وأقرد الرجل وقرد : ذل وخضع ، وقيل : سكت عن عي . وأقرد ، أي : سكن وتماوت ، وأنشد الأحمر :


                                                          تقول إذا اقلولى عليها وأقردت      : ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم ؟



                                                          قال ابن بري : البيت للفرزدق يذكر امرأة إذا علاها الفحل أقردت وسكنت وطلبت منه أن يكون فعله دائما متصلا . والقرد : لجلجة في اللسان ، عن الهجري ، وحكي : نعم الخبر خبرك لولا قرد في لسانك ، وهو من هذا ; لأن المتلجلج لسانه يسكت عن بعض ما يريد الكلام به . أبو سعيد : القرديدة صلب الكلام . وحكي عن أعرابي أنه قال : استوقح الكلام فلم يسهل فأخذت قرديدة منه فركبته ولم أزغ عنه يمينا ولا شمالا . وقردت أسنانه قردا : صغرت ولحقت بالدردر . وقرد العلك قردا : فسد طعمه . والقرد : معروف . والجمع أقراد وأقرد وقرود وقردة كثيرة ، قال ابن جني في قوله عز وجل : كونوا قردة خاسئين : ينبغي أن يكون خاسئين خبرا آخر لكونوا ، والأول قردة ، فهو كقولك هذا حلو حامض ، وإن جعلته وصفا لقردة صغر معناه ، ألا ترى أن القرد لذله وصغاره خاسئ أبدا ، فيكون إذا صفة غير مفيدة ، وإذا جعلت خاسئين خبرا ثانيا حسن وأفاد حتى كأنه قال : كونوا قردة كونوا خاسئين ، ألا ترى أن لأحد الاسمين من الاختصاص بالخبرية ما لصاحبه ، وليست كذلك الصفة بعد الموصوف إنما اختصاص العامل بالموصوف ، ثم الصفة بعد تابعة له ، قال : ولست أعني بقولي كأنه قال : كونوا قردة كونوا خاسئين ، أن العامل في خاسئين عامل ثان غير الأول ، معاذ الله أن أريد ذلك ! إنما هذا شيء يقدر مع البدل فأما في الخبرين فإن العامل فيهما جميعا واحد . ولو كان هناك عامل لما كانا خبرين لمخبر عنه واحد ، وإنما مفاد الخبر من مجموعهما ، قال : ولهذا كان عند أبي علي أن العائد على المبتدإ من مجموعهما ، وإنما أريد أنك متى شئت باشرت كونوا أي الاسمين آثرت وليس كذلك الصفة ، ويؤنس لذلك أنه لو كانت خاسئين صفة لقردة لكان الأخلق أن يكون قردة خاسئة ، فأن لم يقرأ بذلك البتة دلالة على أنه ليس بوصف ، وإن كان قد يجوز أن يكون خاسئين صفة لقردة على المعنى ، إذ كان المعنى إنما هي هم في المعنى إلا أن هذا إنما هو جائز ، وليس بالوجه بل الوجه أن يكون وصفا لو كان على اللفظ ، فكيف ، وقد سبق ضعف الصفة هنا ؟ ، والأنثى قردة ، والجمع قرد مثل قربة وقرب . والقراد : سائس القرود . وفي المثل : إنه لأزنى من قرد ، قال أبو عبيد : هو رجل من هذيل يقال له : قرد بن معاوية . وقرد لعياله قردا : جمع وكسب . وقردت السمن بالفتح في السقاء أقرده قردا : جمعته . وقرد في السقاء قردا : جمع السمن فيه أو اللبن ، كقلد ، وقال شمر : لا أعرفه ولم أسمعه إلا لأبي عبيد . وسمع ابن الأعرابي : قلدت في السقاء وقريت فيه ، والقلد : جمعك الشيء على الشيء من لبن وغيره ، ويقال : جاء بالحديث على قردده وعلى قننه وعلى سمته إذا جاء به على وجهه . والتقرد الكرويا ، وقيل : هي جمع الأبزار واحدتها تقردة . والقردد من الأرض : قرنة إلى جنب وهدة ، وأنشد :


                                                          متى ما تزرنا آخر الدهر تلقنا     بقرقرة ملساء ليست بقردد



                                                          الأصمعي : القردد نحو القف . ابن شميل : القردودة ما أشرف منها وغلظ ، وقلما تكون القراديد إلا في بسطة من الأرض وفيما اتسع منها ، فترى لها متنا مشرفا عليها غليظا لا ينبت إلا قليلا ، قال : ويكون ظهرها سعته دعوة وبعدها في الأرض عقبتين وأكثر وأقل ، وكل شيء منها حدب ظهرها وأسنادها ، وقال شمر : القردودة طريقة منقادة كقردودة الظهر . والقردد : ما ارتفع من الأرض ، وقيل : وغلظ ، قال سيبويه : داله ملحقة له بجعفر وليس كمعد ; لأن ذلك مبني على فعل من أول وهلة ، ولو كان قردد كمعد لم يظهر فيه المثلان ; لأن ما أصله الإدغام لا يخرج على الأصل إلا في ضرورة شعر ، قال : وجمع القردد قرادد ، ظهرت في الجمع كظهورها في الواحد ، قال : وقد قالوا : قراديد ، فأدخلوا الياء كراهية التضعيف . والقردود : ما ارتفع من الأرض ، وغلظ مثل القردد ، قال ابن سيده : فعلى هذا لا معنى لقول سيبويه : إن القراديد جمع قردد ، قال الجوهري : القردد المكان الغليظ المرتفع ، وإنما أظهر التضعيف ؛ لأنه ملحق بفعلل ، والملحق لا يدغم ، والجمع قرادد ، قال : وقد قالوا : قراديد كراهية الدالين . وفي الحديث : لجئوا إلى قردد ، وهو الموضع المرتفع من الأرض ، كأنهم تحصنوا به ، ويقال للأرض المستوية أيضا : قردد ، ومنه حديث قس الجارود : قطعت قرددا . وقردودة الثبج : ما أشرف منه . وقردودة الظهر : ما ارتفع من ثبجه . الأصمعي : السيساء قردودة الظهر . أبو عمر : السيساء من الفرس الحارك ومن الحمار الظهر . أبو زيد : القرديدة الخط الذي وسط الظهر ، وقال أبو مالك : القردودة هي الفقارة نفسها ، وقال : تمضي قردودة الشتاء عنا ، وهي جدبته وشدته . وقردودة الظهر : أعلاه من كل دابة . وأخذه بقردة عنقه عن ابن الأعرابي ، كقولك : بصوفه ، قال : وهي فارسية ، ابن بري : قال الراجز :


                                                          يركبن ثني لاحب مدعوق     نابي القراديد من البئوق



                                                          القراديد : جمع قردودة ، وهي الموضع الناتئ في وسطه . التهذيب : القرد لغة في الكرد ، وهو العنق ، وهو مجثم الهامة على سالفة العنق ، وأنشد :


                                                          فجلله غضب الضريبة صارما     فطبق ما بين الضريبة والقرد



                                                          التهذيب : وأنشد شمر في القرد القصير :


                                                          أو هقلة من نعام الجو عارضها     قرد العفاء وفي يافوخه صقع



                                                          [ ص: 62 ] قال : الصقع القرع . والعفاء : الريش . والقرد : القصير . وبنو قرد : قوم من هذيل منهم أبو ذؤيب . وذو قرد : موضع وفي الحديث ذكر ذي قرد هو بفتح القاف والراء : ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر ، ومنه غزوة ذي قرد ، ويقال : ذو القرد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية