الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الشهيد

( قال ) : وإذا قتل الشهيد في معركة لم يغسل وصلي عليه عندنا وقال الحسن البصري رضي الله تعالى عنه : يغسل ويصلى عليه وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه : لا يصلى عليه أما الحسن فقال : الغسل سنة الموتى من بني آدم جاء في الحديث { أن آدم لما مات غسلته الملائكة وصلوا عليه ثم قالوا : هذه سنة موتاكم يا بني آدم } والشهيد ميت بأجله ولأن غسل الميت تطهير له حتى تجوز الصلاة عليه بعد غسله لا قبله والشهيد يصلى عليه فيغسل أيضا تطهيرا له وإنما لم يغسل شهداء أحد لأن الجراحات فشت في الصحابة في ذلك اليوم وكان يشق عليهم حمل الماء من المدينة وغسلهم لأن عامة جراحاتهم كانت في الأيدي فعذرهم لذلك .

( ولنا ) ما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شهداء أحد : زملوهم بدمائهم ولا تغسلوهم فإنه ما من جريح يجرح في سبيل الله إلا وهو يأتي يوم القيامة وأوداجه تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح المسك } وما قاله الحسن من التأويل باطل فإنه لم يأمر بالتيمم ولو كان ترك الغسل للتعذر لأمر أن ييمموا كما لو تعذر غسل الميت في زمان لعدم الماء ولأنه لم يعذرهم في ترك الدفن وكانت المشقة في حفر القبور للدفن أظهر منها في الغسل وكما لم يغسل شهداء أحد لم يغسل شهداء بدر كما رواه عقبة بن عامر وهذه الضرورة لم تكن يومئذ وكذلك لم يغسل شهداء الخندق وخيبر فظهر أن الشهيد لا يغسل وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه : لا يصلى [ ص: 50 ] عليه لحديث جابر رضي الله تعالى عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلى على أحد من شهداء أحد } ولأنهم بصفة الشهادة تطهروا من دنس الذنوب كما قال عليه الصلاة والسلام { : السيف محاء الذنوب } والصلاة عليه شفاعة له ودعاء لتمحيص ذنوبه وقد استغنى عن ذلك كما استغنى عن الغسل ولأن الله تعالى وصف الشهداء بأنهم أحياء فقال { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء } والصلاة على الميت لا على الحي .

( ولنا ) ما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد صلاته على الجنازة } حتى روي { أنه صلى على حمزة رضي الله تعالى عنه سبعين صلاة } وتأويله أنه كان موضوعا بين يديه فيؤتى بواحد واحد فيصلي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فظن الراوي أنه صلى على حمزة في كل مرة فقال : صلى عليه سبعين صلاة وحديث جابر رضي الله تعالى عنه ليس بقوي وقيل : إنه كان يومئذ مشغولا فقد قتل أبوه وأخوه وخاله فرجع إلى المدينة ليدبر كيف يحملهم إلى المدينة فلم يك حاضرا حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فلهذا روي ما روي ومن شاهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي { أنه صلى عليهم ثم سمع جابر رضي الله عنه منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفن الموتى في مصارعهم فرجع فدفنهم فيها } ولأن الصلاة على الميت لإظهار كرامته ولهذا اختص به المسلمون { ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين } والشهيد أولى بما هو من أسباب الكرامة والعبد وإن تطهر من الذنوب فلا تبلغ درجته درجة الاستغناء عن الدعاء له ألا ترى أنهم صلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إشكال أن درجته فوق درجة الشهداء والشهيد حي في أحكام الآخرة كما قال تعالى { بل أحياء عند ربهم } فأما في أحكام الدنيا فهو ميت يقسم ميراثه وتتزوج امرأته بعد انقضاء العدة وفريضة الصلاة عليه من أحكام الدنيا فكان فيه ميتا يصلى عليه

التالي السابق


الخدمات العلمية