الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7521 ) مسألة قال : ( وإذا أحرزت الغنيمة ، لم يكن فيها لمن جاءهم مددا ، أو هرب من أسر حظ ) وجملة ذلك أن الغنيمة لمن حضر الموقعة ، فمن تجدد بعد ذلك من مدد يلحق بالمسلمين ، أو أسر ينفلت من الكفار ، فيلحق بجيش المسلمين ، أو كافر يسلم ، فلا حق لهم فيها . وبهذا قال الشافعي .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة في المدد : إن لحقهم قبل القسمة أو إحرازها بدار الإسلام ، شاركهم ; لأن تمام ملكها بتمام الاستيلاء ، وهو الإحراز إلى دار الإسلام ، أو قسمتها ، فمن جاء قبل ذلك فقد أدركها قبل ملكها ، فاستحل منها ، كما لو جاء في أثناء الحرب .

                                                                                                                                            وإن مات أحد من العسكر قبل ذلك ، فلا شيء له ; لما ذكرنا ، وقد روى الشعبي ، أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد ، أسهم لمن أتاك قبل أن تتفقأ قتلى فارس ، ولنا ، ما روى أبو هريرة ، { أن أبان بن سعيد بن العاص وأصحابه ، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، بعد أن فتحها ، فقال أبان : اقسم لنا يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجلس يا أبان . ولم يقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم } . رواه أبو داود

                                                                                                                                            وعن طارق بن شهاب ، أن أهل البصرة غزوا نهاوند ، فأمدهم أهل الكوفة ، فكتب في ذلك إلى عمر ، رضي الله عنه فكتب عمر : إن الغنيمة لمن شهد الوقعة . رواه سعيد ، في " سننه " . وروي نحوه عن عثمان في غزوة أرمينية ، [ ص: 211 ] ولأنه مدد لحق بعد تقضي الحرب ، أشبه ما لو جاء بعد القسمة ، أو بعد إحرازها بدار الإسلام ، ولأن سبب ملكها الاستيلاء عليها ، وقد حصل قبل مجيء المدد . وقولهم : إن ملكها بإحرازها إلى دار الإسلام

                                                                                                                                            ممنوع ، بل هو بالاستيلاء ، وقد استولى عليها الجيش قبل المدد ، وحديث الشعبي مرسل يرويه المجالد ، وقد تكلم فيه ، ثم هم لا يعملون به ، ولا نحن ، فقد حصل الإجماع منا على خلافه ، فكيف يحتج به ؟

                                                                                                                                            ( 7522 ) فصل : وحكم الأسير يهرب إلى المسلمين حكم المدد ، سواء قاتل أو لم يقاتل .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يسهم له إلا أن يقاتل ; لأنه لم يأت للقتال بخلاف المدد . ولنا ، أن من استحق إذا قاتل استحق وإن لم يقاتل ، كالمدد ، وسائر من حضر الوقعة .

                                                                                                                                            ( 7523 ) فصل : وإن لحقهم المدد بعد تقضي الحرب ، وقبل حيازة الغنيمة ، أو جاءهم أسير ، فظاهر كلام الخرقي ، أنه يشاركهم ; لأنه جاء قبل إحرازها .

                                                                                                                                            وقال القاضي : تملك الغنيمة بانقضاء الحرب قبل حيازتها . فعلى هذا لا يسهم لهم . وإن حازوا الغنيمة ، ثم جاءهم قوم من الكفار يقاتلونهم ، فأدركهم المدد ، فقاتلوا معهم ، فقد نص أحمد ، على أنه لا شيء للمدد .

                                                                                                                                            فإنه قال : إذا غنم المسلمون غنيمة ، فلحقهم العدو وجاء المسلمين مدد ، فقاتلوا العدو معهم حتى سلموا الغنيمة ، فلا شيء لهم في الغنيمة ; لأنهم إنما قاتلوا عن أصحابهم ، ولم يقاتلوا عن الغنيمة ; لأن الغنيمة قد صارت في أيديهم وحووها . قيل له : فإن أهل المصيصة غنموا ثم استنقذ منهم العدو ، فجاء أهل طرسوس ، فقاتلوا معهم حتى استنقذوه ؟ فقال : أحب إلى أن يصطلحوا ، .

                                                                                                                                            أما في الصورة الأولى ، فإن الأولين قد أحرزوا الغنيمة وملكوها بحيازتهم ، فكانت لهم دون من قاتل معهم . أما في الصورة الثانية ، فإنما حصلت الغنيمة بقتال الذين استنقذوها في المرة الثانية ، فينبغي أن يشتركوا فيها ، لأن الإحراز الأول قد زال بأخذ الكفار لها ، ويحتمل أن الأولين قد ملكوها بالحيازة الأولى ، ولم يزل ملكهم بأخذ الكفار لها منهم ، فلهذا أحب أن يصطلحوا عليها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية