الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو استأجر أرض وقف وغرس فيها ) وبنى ( ثم مضت مدة الإجارة فللمستأجر استيفاؤها بأجر المثل إذا لم يكن في ذلك ضرر ) بالوقف ( ولو أبى الموقوف عليهم إلا القلع ليس لهم ذلك ) كذا في القنية . قال في البحر ، وبهذا تعلم مسألة الأرض [ ص: 32 ] المحتكرة ، وهي منقولة أيضا في أوقاف الخصاف . [ ص: 33 ] والرطبة ) لعدم نهايتها ( كالشجر ) فتقلع بعد مضي المدة ، ثم المراد بالرطبة ما يبقى أصله في الأرض أبدا ، وإنما يقطف ورقه ويباع أو زهره . وأما إذا كان له نهاية معلومة كما في الفجل والجزر والباذنجان فينبغي أن يكون كالزرع يترك بأجر المثل إلى نهايته كذا حرره المصنف في حواشي الكنز ، وقواه بما في معاملة الخانية فليحفظ .

قلت : بقي له نهاية معلومة لكنها بعيدة طويلة كالقصب فيكون كالشجر كما في فتاوى ابن الجلبي فليحفظ

التالي السابق


( قوله ولو استأجر أرض وقف ) قيد بالوقف ، لما في الخيرية عن حاوي الزاهدي عن الأسرار من قوله : بخلاف ما إذا استأجر أرضا ملكا ليس للمستأجر أن يستبقيها كذلك إن أبى المالك إلا القلع بل يكلفه على ذلك إلا إذا كانت قيمة الغراس أكثر من قيمة الأرض فيضمن المستأجر قيمة الأرض للمالك فيكون الإغراس والأرض للغارس ، وفي العكس يضمن المالك قيمة الإغراس فتكون الأرض والأشجار له ، وكذا الحكم في العارية ا هـ . ( قوله وبنى ) الواو بمعنى أو ط . ( قوله كذا في القنية ) الإشارة لجميع ما ذكره المصنف ، وأفتى به في الخيرية قائلا وأنت على علم أن الشرع يأبى الضرر خصوصا والناس على هذا ، وفي القلع ضرر عليهم وفي الحديث الشريف عن النبي المختار { لا ضرر ولا ضرار } ا هـ و أفتى به في الحامدية ، لكنه في الخيرية أفتى في موضع آخر بخلافه وقال : يقلع وتسلم الأرض لناظر الوقف كما صرحت به المتون قاطبة ا هـ .

أقول : وحيث كان مخالفا للمتون فكيف يسوغ الإفتاء به مع أنه من كلام القنية ، ولا يعمل بما فيها إذا خالف غيره كما صرح به ابن وهبان وغيره ، وما في المتون قد أقره الشراح وأصحاب الفتاوى ، وإنما اختلفوا في تملك المؤجر البناء والغرس جبرا على المستأجر كما مر ، وحيث قدم ما في الشروح على ما اتفق عليه أصحاب الفتاوى [ ص: 32 ] في تلك المسألة ، فما اتفق عليه الكل أولى بالتقديم ، فليت المصنف لم يذكره في متنه .

وما أجاب به أبو السعود في حاشية مسكين بأن ما في القنية مفروض فيما إذا اشترط الاستبقاء ، وما مر في المتن من اشتراط رضا المؤجر فيما إذا لم يشترط لا ينفي المخالفة ; لأن ما في المتون مطلق ، ومفاهيمها حجة مع أنه قد يقال هذا الشرط مفسد لما فيه من نفع المستأجر إن لم يؤد إلى استيلائه على الوقف ، وتصرفه فيه تصرف الملك كما هو مشاهد في زماننا ويصير يستأجره بما قل وهان ويدعي أن الزيادة عليه ظلم وبهتان ، ومنشأ ذلك من النظار أعمى الله أنظارهم طمعا في الرشوة التي يسمونها بالخدمة ، على أن ما في القنية لو قوي بما ذكره الخصاف كما يأتي وفرض أن ذلك صار صالحا لمعارضة المتون والشروح والفتاوى لا يفتى به ، لما مر أنه يفتى بكل ما هو أنفع للوقف مما اختلف العلماء فيه وبنوا عليه تصحيح القول بفسخ الإجارة لزيادة أجر المثل في المدة كما مر ، وكل ذلك صار الأمر فيه بالعكس في زماننا ، حتى إن القضاة حيث لم يجدوا حيلة في المذهب على الوقف توسلوا إليها بمذهب الغير فآل الأمر إلى الاستيلاء على الأوقاف واندراس المساجد والمدارس والعلماء وافتقار المستحقين وذراري الواقفين .

وإذا تكلم أحد بين الناس بذلك يعدون كلامه منكرا من القول ، وهذه بلية قديمة ، فقد ذكر العلامة قنلي زاده ما ملخصه : أن مسألة البناء والغرس على أرض الوقف كثيرة الوقوع في البلدان خصوصا في دمشق ، فإن بساتينها كثيرة وأكثرها أوقاف غرسها المستأجرون وجعلوها أملاكا ، وأكثر إجاراتها بأقل من أجر المثل إما ابتداء وإما بزيادة الرغبات وكذلك حوانيت البلدان ، فإذا طلب المتولي أو القاضي رفع إجاراتها إلى أجر المثل يتظلم المستأجرون ويزعمون أنه ظلم وهم ظالمون كما قال الشاعر :

تشكو المحب ويشكو وهي ظالمة كالقوس تصمي الرمايا وهي مرنان

وبعض الصدور والأكابر يعاونونهم ويزعمون أن هذا يحرك فتنة على الناس ، وأن الصواب إبقاء الأمور على ما هي عليه ، وأن شر الأمور محدثاتها ، ولا يعلمون أن الشر في إغضاء العين عن الشرع ، وأن إحياء السنة عند فساد الأمة من أفضل الجهاد ، وأجزل القرب ؟ فيجب على كل قاض عادل عالم وعلى كل قيم أمين غير ظالم أن ينظر في الأوقاف ، فإن كان بحيث إذا رفع البناء والغرس تستأجر بأكثر أن يفسخ الإجارة ويرفع بناءه وغرسه أو يقبلها بهذه الأجرة وقلما يضر الرفع بالأرض ، فإن الغالب أن فيه نفعا وغبطة للوقف إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى ، وهذا علم في ورق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .



مطلب في الأرض المحتكرة ومعنى الاستحكار

. ( قوله المحتكرة ) قال في الخيرية : الاستحكار عقد إجارة يقصد بها استبقاء الأرض مقررة للبناء والغرس أو لأحدهما ( قوله وهي منقولة إلخ ) الضمير لمسألة القنية والمقصود تقويتها فيكون مخصصا لكلام المتون .

ووجهه إمكان رعاية الجانبين من غير ضرر وعدم الفائدة في القلع ، إذ لو قلعت لا تؤجر بأكثر منه ، وعليه فلو مات المستأجر فلورثته الاستبقاء ، ولو حصل ضرر ما بأن كان هو أو وارثه مفلسا أو سيئ المعاملة أو متغلبا يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضرر لا يجبر الموقوف عليهم تأمل رملي ملخصا ، وقد أفتى بخلافه في فتاواه قبيل باب ضمان الأجير في خصوص الأرض المحتكرة فقال : للقيم أن يطالب برفع البناء وتسليم الأرض فارغة [ ص: 33 ] كما هو مستفاد من إطلاقهم ا هـ ، ولا يخفى أن الضرر الآن متحقق .

وقد صرح في الإسعاف : لو تبين أن المستأجر يخاف منه على رقبة الوقف يفسخ القاضي الإجارة ويخرجه من يده ا هـ ، فكيف تؤجر منه بعد مضي مدتها



( قوله والرطبة كالشجر ) هذه من مسائل المتون فصل المصنف بينها وبين ما قبلها بعبارة القنية ، فقوله كالشجر : أي في الحكم المار من لزوم القلع إلا أن يغرم المؤجر قيمتها إلخ .

وبه ظهر أن قول الشارح فتقلع إلخ تفريع صحيح وليس تفريعا على ما في القنية فافهم . ( قوله أو زهره ) الأولى التعبير بالثمر ليعم الزهر وغيره ط . ( قوله كما في الفجل ) بضم الفاء .

وفيه أن الفجل والجزر ليسا من الرطبة بل يقلعان مرة واحدة ثم لا يعودان ط . ( قوله وقواه بما في معاملة الخانية ) المعاملة : المساقاة .

ذكر في الهندية : لو دفع أرضا ليزرع فيها الرطاب أو دفع أرضا فيها أصول رطبة باقية ولم يسم المدة ، فإن كان شيئا ليس لابتداء نباته ولا لانتهاء جذه وقت معلوم فالمعاملة فاسدة ، فإن كان وقت جذه معلوما يجوز ويقع على الجذة الأولى كما في الشجرة المثمرة ط . ( قوله قلت بقي إلخ ) الباذنجان من هذا القبيل في بعض البلاد ، وكذا البيقيا سائحاني .




الخدمات العلمية