الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما استدلالهم بما في القرآن من تسمية الله أحدا وواحدا على نفي الصفات، الذي بنوه على نفي التجسيم.

فيقال لهم: ليس في كلام العرب، بل ولا عامة أهل اللغات، أن الذات الموصوفة بالصفات لا تسمى واحدا ولا تسمى أحدا في النفي والإثبات، بل المنقول بالتواتر عن العرب تسمية الموصوف بالصفات واحدا وأحدا، حيث أطلقوا ذلك، ووحيدا.

قال تعالى: ذرني ومن خلقت وحيدا [المدثر: 11] وهو الوليد ابن المغيرة.

وقال تعالى: فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف [النساء: 11] فسماها واحدة، وهو امرأة واحدة متصفة بالصفات، بل جسم حامل للأعراض.

وقال تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله [التوبة: 6] .

وقال تعالى: قالت إحداهما يا أبت استأجره [القصص: 26]، وقال تعالى: أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى [البقرة: 282]، وقال تعالى: فإن بغت إحداهما على الأخرى [الحجرات: 9] . [ ص: 114 ]

وقال: ولم يكن له كفوا أحد [الإخلاص: 4]، وقال: قل إني لن يجيرني من الله أحد [الجن: 22]، وقال تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [الكهف: 110]، وقال تعالى: ولا يظلم ربك أحدا [الكهف: 49] .

فإن كان لفظ الأحد لا يقال على ما قامت به الصفات، بل ولا على شيء من الأجسام التي تقوم بها الأعراض لأنها منقسمة، لم يكن في الوجود غير الله من الملائكة والإنس والجن والبهائم من يدخل في لفظ أحد، بل لم يكن في الموجودين ما يقال عليه في النفي أنه أحد، فإذا قيل: ولم يكن له كفوا أحد لم يكن هذا نفيا لمكافأة الرب إلا عمن لا وجود له، ولم يكن في الموجودات ما أخبر عنه بهذا الخطاب أنه ليس كفؤا لله.

وكذلك قوله: ولا أشرك بربي أحدا [الكهف: 38] ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ، فإنه إذا لم يكن الأحد إلا ما لا ينقسم، وكل مخلوق وجسم منقسم، لم يكن في المخلوق ما يدخل في مسمي أحد، فيكون التقدير: ولا أشرك به ما لم يوجد، ولا يشرك بربه ما لا يوجد.

وإذا كان المراد النفي العام، وأن كل موجود من الإنس والجن يدخل في مسمي أحد، ويقال: إنه أحد الرجلين، ويقال للأنثى: إحدى المرأتين، ويقال للمرأة: واحدة، وللرجل: واحد، ووحيد - علم أن اللغة التي نزل بها القرآن لفظ الواحد والأحد فيها يتناول الموصوفات، بل يتناول الجسم الحامل [ ص: 115 ] للأعراض، ولم يعرف أنهم أرادوا بهذا اللفظ ما لم يوصف أصلا، بل ولا عرف منهم أنهم لا يستعملونه إلا في غير الجسم، بل ليس في كلامهم ما يبين استعمالهم له في غير ما يسميه هؤلاء جسما، فكيف يقال: لا يدل إلا على نقيض ذلك، ولم يعرف استعماله إلا في النقيض - الذي أخرجوه منه - الوجودي، دون النقيض الذي خصوه به وهو العدمي؟ وهل يكون في تبديل اللغة والقرآن أبلغ من هذا؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية