الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثامنة والعشرون : قوله تعالى : { ماء } : قال أبو حنيفة : هذا نفي في نكرة ، وهو يعم لغة ; فيكون مفيدا جواز الوضوء بالماء المتغير وغير المتغير ; لانطلاق اسم الماء عليه . قلنا : استنوق الجمل ، الآن يستدل أصحاب أبي حنيفة باللغات ، ويقولون على ألسنة العرب ، وهم ينبذونها في أكثر المسائل بالعراء ، واعلموا أن النفي في النكرة يعم كما قلتم ، ولكن في الجنس ; فهو عام في كل ما كان من سماء أو بئر أو عين أو نهر أو بحر عذب أو ملح ; فأما غير الجنس فهو المتغير ، فلا يدخل فيه ، كما لم يدخل فيه ماء الباقلاء . [ ص: 567 ] وقد مهدنا ذلك في الكلام على منع الوضوء بالماء المتغير بالزعفران في " كتاب التلخيص " . ومن هاهنا وهم الشافعي في قوله : إنه إذا وجد من الماء ما لا يكفيه لأعضاء الوضوء كلها أنه يستعمله فيما كفاه ويتيمم لباقيه ; فخالف مقتضى اللغة وأصول الشريعة .

                                                                                                                                                                                                              أما مقتضى اللغة فإن الله سبحانه قال : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا } وأراد في جميع البدن ، ثم قال { فلم تجدوا ماء فتيمموا } فاقتضى ذلك الماء الذي يقوم له بحق ما تقدم الأمر فيه والتكليف له ; فإن آخر الكلام مرتبط بأوله . وأما مخالفته للأصول فليس في الشريعة موضع يجمع فيه بين الأصل والبدل ، وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف ، وبهذا تعلق الأئمة في الوضوء بماء البحر ، و هي :

                                                                                                                                                                                                              المسألة التاسعة والعشرون : قال ابن عمر رضي الله عنه : إنه لا يجوز الوضوء به ; لأنه ماء النار أو لأنه طين جهنم ، وكأنهم يشيرون إلى أنه ماء عذاب فلا يكون ماء قربة . وقد { منع النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلوا به بديار ثمود ألا يشرب ولا يتوضأ من آبارهم إلا من بئر الناقة ، وأوقفهم عليه } ; وهي إحدى معجزاته صلى الله عليه وسلم . قلنا : قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ماء البحر : { هو الطهور ماؤه الحل ميتته } . [ ص: 568 ] وقد روي عن ابن عباس أن ماء البحر هو طهور الملائكة ، إذا نزلوا توضئوا ، وإذا صعدوا توضئوا ، فيقابل حديث ابن عمر بحديث ابن عباس ويبقى لنا مطلق الآية ، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية