الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        397 [ ص: 251 ] ( 22 ) باب ما جاء في الصلاة على النبي .

                                                                                                                        370 - ذكر فيه مالك حديث أبي حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله ، كيف نصلي عليك ؟ فقال : قولوا : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته . . . . . الحديث .

                                                                                                                        ذكره عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه ، عن عمرو بن سليم الزرقي ، أنه قال : أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله ، كيف نصلي عليك ؟ فقال : قولوا : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ، الحديث .

                                                                                                                        371 - وحديث أبي مسعود الأنصاري واسمه عقبة بن [ ص: 252 ] عمرو بمعناه إلا أنه قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد .

                                                                                                                        ذكره أيضا عن نعيم بن عبد الله المجمر ، عن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري أنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري . . . . . فذكر الحديث .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        8857 - وقد ذكرنا في التمهيد الرواية عن أبي مسعود أنه قال : لما [ ص: 253 ] نزلت " إن الله وملائكته يصلون على النبي " [ الأحزاب : 56 ] قالوا يا رسول الله : قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة . . . . . . . . وذكر الحديث .

                                                                                                                        8858 - وفي هذين الحديثين من الفقه : أنه يلزم من ورد عليه خبر محتمل لوجه أو لوجهين في الكتاب أو السنة ، ألا يقطع منهما على وجه حتى يقف على المراد إن وجد إلى ذلك سبيلا .

                                                                                                                        8859 - ألا ترى إلى قول سعد بن عبادة وغيره .

                                                                                                                        أمرنا الله أن نصلي عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ .

                                                                                                                        8860 - وهذا - والله أعلم - لما يحتمله لفظ الصلاة من المعاني . وقد بيناها فيما تقدم من هذا الكتاب .

                                                                                                                        8861 - وقد اختلف الناس فيما لم يرد به التوقيف ، هل العموم أولى بذلك أم الخصوص في أقل ما يقع عليه الاسم ؟ .

                                                                                                                        8862 - وذلك سبق في كتاب " الأصول " والحمد لله .

                                                                                                                        8863 - وهذا الحديث يخرج في التفسير المسند ، ويبين قول الله تعالى " إن الله وملائكته يصلون على النبي " [ الأحزاب : 56 ] الآية ، فبين لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف الصلاة عليه ، وبين لهم في التشهد كيف السلام عليه ، وهو قوله عليه السلام : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " . وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - " والسلام كما قد علمتم " .

                                                                                                                        [ ص: 254 ] 8864 - ويشهد لما قلنا : قول ابن عباس وابن مسعود : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن .

                                                                                                                        8865 - وقال ابن عمر : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد .

                                                                                                                        8866 - وفي بعض الروايات عنه : على المنبر ، كما يعلم المكتب الولدان .

                                                                                                                        8867 - وذكر أبو بكر ، قال : حدثنا ابن علية ، عن خالد بن الغلام المتوكل ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : كنا لا نكتب شيئا إلا القرآن والتشهد .

                                                                                                                        8868 - وقد قيل : إنه التسليم من الصلاة الذي هو تحليلها .

                                                                                                                        [ ص: 255 ] 8869 - وقال بعض أهل العلم : إن قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود ومن روى مثل روايته : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " كلام مجمل محتمل للتأويل يفسره قوله في حديث أبي حميد الساعدي ومن تابعه : اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته ; لأن لفظ الآل محتمل لوجوه من الأهل ، ومنها الأتباع كما قال تعالى : " أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " [ غافر : 46 ] أي أتباعه ، فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الآل هنا الأهل ، وأن ما أجمله مرة فسره أخرى ، وأوقف على أن الأهل أزواجه وذريته ، ويدخل في قوله آل إبراهيم إبراهيم ، وفي آل محمد محمدا - صلى الله عليهما - ، كأنه قال : إبراهيم وآله . ألا ترى إلى قوله تعالى : " أدخلوا آل فرعون " يدخل فيه فرعون .

                                                                                                                        8870 - هذا ما يوحيه تهذيب الأحاديث وترتيبها ، والله ولي التوفيق لا شريك له .

                                                                                                                        8871 - وأجمع العلماء على أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض على كل مؤمن ; لقوله - عز وجل - " ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " [ الأحزاب : 56 ] [ ص: 256 ] 8872 - ثم اختلفوا في كيفية ذلك وموضعه :

                                                                                                                        8873 - فذهب مالك وأصحابه ، وأبو حنيفة ، إلى أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض في الجملة بعقد الإيمان ، ولا يتعين في الصلاة ولا في وقت من الأوقات .

                                                                                                                        8874 - ومن قول بعضهم : أن من صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة واحدة في عمره فقد سقط فرض ذلك عنه ، وبقي مندوبا إليه من عمره بمقدار ما يمكنه .

                                                                                                                        8875 - وروي عن مالك ، وأبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، أنهم قالوا : الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مستحب في التشهد الآخر ، مندوب إليها ، وتاركها مسيء ومع ذلك فصلاة من لم يفعل ذلك تامة .

                                                                                                                        8876 - حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن عبد السلام ، قال : حدثنا ابن أبي عمر ، قال : حدثنا سفيان ، عن زائدة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : كانوا يرون حين فرض الله الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " فكانوا يرون أن التشهد كاف من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        8877 - وقال الشافعي : إذا لم يصل المصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الآخر بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة .

                                                                                                                        8878 - قال : وإن صلى عليه قبل ذلك لم يجزئه .

                                                                                                                        8879 - وهذا قول حكاه عنه حرملة ، لا يكاد يؤخذ عنه إلا من رواية حرملة ، وغير حرملة ، إنما يروى عنه أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض في كل صلاة وموضعها التشهد الآخر قبل التسليم ، ولم يذكروا إعادة فيمن وضعها قبل التشهد في الجلسة [ ص: 257 ] الآخرة إلا أن أصحابه قد تقلدوا رواية حرملة ، ومالوا إليها ، وناظروا عليها .

                                                                                                                        8880 - ومن حجة من قال : إن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست من فرائض الصلاة ، حديث ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده فعلمه التشهد إلى : وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وقال له : " فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة ، فإن شئت أن تقوم وإن شئت أن تقعد " .

                                                                                                                        8881 - وقد ذكرناه بإسناده وتمام ألفاظه في التمهيد .

                                                                                                                        8882 - وليس في هذا الحديث ذكر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد ، وكذلك سائر الآثار عن ابن مسعود وغيره في التشهد ، ليس في شيء منها ذكر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - . 8883 - وفي حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي ثم يدعو بما شاء .

                                                                                                                        8884 - ولم يأمر بإعادة ، ولو كان ذلك فرضا لأمره بالإعادة كما فعل بالذي لم يكمل ركوعه ولا سجوده .

                                                                                                                        8885 - وحجة الشافعي ومن قال بقوله في هذه المسألة أن الله - عز وجل - أمرنا بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن نسلم عليه تسليما ، ثم جاء الأمر منه عليه السلام [ ص: 258 ] بالتشهد فعلمهم فيه كيف يسلمون عليه تسليما بقوله : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله .

                                                                                                                        8886 - وكان يعلم أصحابه التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن ، وقال لهم : إنه يقال في الصلاة لا في غيرها .

                                                                                                                        8887 - وقالوا له : قد علمنا السلام عليك - في التشهد يعنون - فكيف الصلاة عليك ؟ .

                                                                                                                        8888 - فعلمهم الصلاة عليه ، وقال لهم : السلام كما قد علمتم ، فدلهم على أن ذلك قرين التشهد في الصلاة .

                                                                                                                        8889 - قالوا : وقد وجدنا الأمة بأجمعها تفعل الأمرين جميعا في صلاتها ، فلا يجوز أن يفرق بينها ولا تتم الصلاة إلا بهما ، وأراه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، وسائر المسلمين ، قولا وعملا .

                                                                                                                        8890 - قالوا : وليس في حديث ابن مسعود حجة ; لأنه حديث خرج على معنى في التشهد كانوا يقولون ، فقال لهم : لا تقولوا ، وقولوا كذا .

                                                                                                                        8891 - ومعنى قوله فيه : فإذا قلت كذلك فقد تمت صلاتك ، يعني إذا ضم إلى ذلك القول غيره من التسليم الذي به يسد الخلل منها ، وكذلك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        8892 - وهذا مثل قوله - عليه السلام - : " أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها على فقرائكم " يعني : إذا ضم إليهم من سمي معهم في القرآن .

                                                                                                                        [ ص: 259 ] 8893 - وكذلك حديث أبي هريرة ، ورفاعة بن رافع ، في الذي لم يكمل [ ص: 260 ] صلاته فعلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال له : " إذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك " يعني : إذا ضم إليه فيها ما لا بد منه فيها من القراءة والتسليم ، وما أشبه ذلك .

                                                                                                                        8894 - وإذا جاز لمستدل أن يستدل على ظواهر أحاديث التشهد وما أشبهها بحديث : " تحليلها التسليم " ، جاز لغيره أن يستدل على إيجاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة بما وصفنا وببعضه ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        8895 - قالوا : وأبو مسعود هو الذي يروي الحديث في هذا الباب ، وهو القائل : ما أرى أن صلاة لي تمت إذا لم أصل فيها على النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        [ ص: 261 ] 8896 - وقد ذكرنا إسناده في التمهيد ، وذكرنا حديث سهل بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي - صلى الله عليه وسلم - " .

                                                                                                                        8897 - روى حديث أبي مسعود جابر الجعفي .

                                                                                                                        8898 - وجابر الجعفي وإن كان قد طعن عليه قوم منهم ابن عيينة ، فقد أثنى عليه سفيان وشعبة وغيرهما ، ووصفوا بالحفظ والإتقان لما روى .

                                                                                                                        8899 - ومن حجة الشافعي أيضا ما رواه ابن عيينة ، عن منصور ، قال : لما أنزل الله تعالى " إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " [ الأحزاب : 56 ] فافترض الله على عباده الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والتسليم ، علمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التشهد : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله .

                                                                                                                        8900 - هذا كله ما احتج به الشافعي وأصحابه لمذهبهم في إيجاب الصلاة على النبي - عليه السلام - في الصلاة .

                                                                                                                        8901 - قال أبو عمر : الأصل أن الفرائض لا تثبت إلا بدليل لا معارض له ، أو بإجماع لا مخالف فيه ، وذلك معدوم من هذه المسألة ، إلا أني رأيت الفقهاء وأصحابهم إذا قام لأحدهم دليل من كتاب أو سنة ، أوجبوا به واستقصوا في موضع الخلاف .

                                                                                                                        8902 - وحجة أصحاب الشافعي فيها ضعيفة ، ولست أوجب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرضا في كل صلاة ، ولكن لا أحب لأحد تركها ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        [ ص: 262 ] 8903 - قال أبو عمر : رويت الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق متواترة بألفاظ متقاربة ليس في شيء منها : وارحم محمدا وآل محمد ، وإنما فيها كلها لفظ الصلاة والبركة لا غير ، قوله : اللهم صل على محمد ، وليس في شيء منها وارحم محمدا ، فلا أحب أحدا أن يقوله ; لأن الصلاة وإن كانت من الله الرحمة ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - خص بهذا اللفظ ، وذلك والله أعلم من معنى قول الله - عز وجل - " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " [ النور : 63 ] .

                                                                                                                        8904 - ولهذا أنكر العلماء على يحيى بن يحيى ومن تابعه في الرواية عن مالك في " الموطأ " .




                                                                                                                        الخدمات العلمية